بروس أكرمان
اعتبر بروس أكرمان أستاذ القانون والعلوم السياسية في جامعة ييل، إن القرار الذي اتخذه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة يوم الأحد المقبل، من شأنه أن يصرف انتباه العالم عن زلزال سياسي محتمل آخر، ففي يوم الجمعة، سوف يذهب الناخبون الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع لشغل المنصب الشاغر الذي خَـلَّـفَـته وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر الشهر الماضي.
واليكم باقي المعلومات في المقال الاتي:
إن القرار الذي اتخذه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة يوم الأحد المقبل، من شأنه أن يصرف انتباه العالم عن زلزال سياسي محتمل آخر. ففي يوم الجمعة، سوف يذهب الناخبون الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع لشغل المنصب الشاغر الذي خَـلَّـفَـته وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة مروحية الشهر الماضي.
ولكن حتى في غياب التصويت الفرنسي، سيكون من المغري التهوين من شأن الانتخابات الإيرانية. ففي النهاية، يُعَد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، خصما لدودا للغرب، وقد حقق رئيسي، تابعه المخلص، فوزا حاسما في عام 2021. أليس من الممكن إذا أن يتلاعب خامنئي ببساطة بالتصويت القادم بطريقة تضمن فوز متشدد متطرف آخر؟
مهلا! لقد اتخذت السياسة الإيرانية منعطفا حاسما في السنوات الثلاث بين صعود رئيسي وسقوطه. بموجب الدستور الإيراني، يجب أن يوافق مجلس صيانة الدستور، الذي تهيمن عليه النخبة الدينية، على المرشحين قبل أن يتمكنوا من الترشح لهذا المنصب. في عام 2021، كان رئيسي مدينا بفوزه لرفض المجلس منح أي معارض قوي لمعاداة خامنئي المتشددة للغرب مكان على بطاقة الاقتراع.
لكن الاحتجاجات العامة المتصاعدة أجبرت المجلس على السماح لمعارض بارز لخامنئي بدخول السباق هذه المرة ــ في ظل ظروف تجعل من المرجح بشدة فوزه وإحداثه ثورة في السياسة في اتجاه مؤيد للغرب. ونتيجة لهذا، إذا لعبت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أوراقها بشكل صحيح، فإن انتصار صانع سلام إيراني قد يسمح ــ صدق أو لا تصدق ــ بسلام دائم في الشرق الأوسط.
إذا حدث ذلك، يستطيع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بدلا من السعي إلى التوصل إلى اتفاق هش لوقف إطلاق النار، أن يبدأ في بناء ترتيب متعدد الأطراف حيث تعمل الولايات المتحدة وإيران كضامنين عسكريين لحل الدولتين للإسرائيليين والفلسطينيين.
لكي نعرف كيف من الممكن أن يحدث هذا، دعونا نعود إلى عام 2021 ونتأمل الكيفية التي استفز بها الحظر الذي فرضته صحيفة الجارديان على معارضين جادين عزلة عامة واسعة الانتشار. على الرغم من فوز رئيسي بسهولة على متشددين منافسين، فإن هذا كان راجعا إلى رفض أغلب الإيرانيين الإدلاء بأصواتهم. على وجه التحديد، ذهب 49% فقط من الناخبين الإيرانيين البالغ عددهم 59 مليونا إلى صناديق الاقتراع ــانخفاضا من 70% قبل أربع سنوات.
خدمت هذه المقاطعة الضمنية كأساس للنشاط الشعبي. وجاءت نقطة تحول مهمة في خريف عام 2022، عندما اعتُـقِـلَت الشابة مهسا أميني لتقاعسها عن تغطية وجهها في مكان عام، ثم توفيت في حجز الشرطة بعد ثلاثة أيام. استفزت وفاتها مظاهرات عمت البلاد، واستجابت الحكومة بالتعتيم الإعلامي، والغاز المسيل للدموع، وإطلاق النار الذي قتل مئات المحتجين على مدار العام التالي. وعلى الرغم من القمع الوحشي، واصل الطلاب والعمال الانخراط في احتجاج سلمي ضد تطرف رئيسي.
ثم أشعلت وفاة رئيسي شرارة دورة أخرى من الاحتجاج. وطالبت حركة المعارضة بالسماح لبعض قادتها، على النقيض مما حدث في عام 2021، بخوض حملات انتخابية لمنصب الرئيس، وتعهدت بتنظيم مظاهرات حاشدة في الشوارع من شأنها أن تدفع البلاد إلى شفا حرب أهلية لو لم يحدث ذلك.
استسلم أعضاء مجلس صيانة الدستور لهذا المطلب. وفي حين وافقوا على ترشح خمسة متشددين في الانتخابات، فقد سمحوا أيضا لمسعود بزشكيان بوضع اسمه على بطاقة الاقتراع. يمثل بزشكيان تباينا مذهلا مع منافسيه. فبدلا من البحث عن الإلهام الإلهي، التحق بكلية الطب، وأصبح جراح قلب، وشغل منصب رئيس جامعة العلوم الطبية في تبريز لمدة خمس سنوات. وبين عامي 2001 و2005، كان وزيرا للصحة في إيران، قبل أن يتحول إلى السياسة الانتخابية، حيث شغل منصب النائب الأول لرئيس البرلمان من عام 2016 إلى عام 2020.
قليل من الإيرانيين جمعوا بين الإنجاز الأكاديمي والبيروقراطي والسياسي بهذه الطريقة اللافتة للنظر. علاوة على ذلك، رد بزشكيان على وفاة أميني الوحشية في عام 2022 بالمسارعة إلى إدانة جهود الشرطة في فرض الإيمان الديني بالقوة. في ذلك الوقت، لم يكن ليعرف ما إذا كان رئيسي ليرد بإصدار أمر باعتقاله ــ وهو السبب الذي حمل كثيرين آخرين من المنتمين إلى الـنُـخَـب الإيرانية على إمساك ألسنتهم.
لن يؤدي قرار مجلس صيانة الدستور بالسماح لخمسة متشددين بالترشح إلا إلى تحسين فرص بزشكيان. في الواقع، مع تفتت التصويت الديني، يصبح بوسع بطل التنوير أن يحقق فوزا ساحقا. إذا فاز بزشكيان، سيكون التحول الدرامي في النظرة الأميركية الراسخة لإيران باعتبارها عدوها اللدود ضرورة أساسية للاستجابة بطريقة بَـنّـاءة. ما يدعو إلى التفاؤل أن بلينكن يتمتع بالقدر الكافي من المرونة لإدارة مثل هذا التحول الكامل. علاوة على ذلك، تعني دبلوماسيته المكوكية المستمرة في الشرق الأوسط أنه قادر بسهولة على التواصل مع المفاوضين الإيرانيين المحتملين.
لا يقل عن هذا أهمية أن بايدن سوف يكون حريصا على التعامل بجدية مع تقارير بلينكن، لأن الانقسام في المجتمع اليهودي الأميركي والمعارضة المتزايدة من جانب الأميركيين العرب لترشحه يمثلان تهديدا كبيرا لإعادة انتخابه. وسوف تزداد حِـدّة التهديد بعد وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن لإلقاء كلمة أمام جلسة مشتركة للكونجرس في الرابع والعشرين من يوليو/تموز. بحلول ذلك الوقت، قد يكون بايدن في وضع يسمح له بدعوة نتنياهو للانضمام إلى مفاوضات متعددة الأطراف مع إيران.
وقد يُـفـضي مثل هذا السيناريو ليس فقط إلى الحد بدرجة كبيرة من خطر انتشار الأسلحة النووية وحرب أوسع نطاقا في الشرق الأوسط، بل وأيضا تمهيد الطريق لحل الدولتين الذي من شأنه أن يسمح لكل من إسرائيل وفلسطين بالتعايش في سلام. الحق أن وفاة رئيسي تمثل فرصة نادرة حيث يجد قادة سياسيون طال أمد الخصومة بينهم حافزا قويا لبدء عصر جديد من الدبلوماسية. ولكن يتعين على بايدن أن يغتنم الفرصة. فإذا نظر إلى بزشكيان باعتباره عدوا، فسوف يكون خامنئي قادرا على تخريب المكانة الشعبية التي يتمتع بها الرئيس الجديد وإقناع الناخبين بالتنصل من رؤيته التنويرية في الانتخابات التالية.هذه ليست المرة الأولى في التاريخ الحديث التي تحدد فيها بضعة قرارات سريعة في البيت الأبيض مستقبل الشرق الأوسط. فقد أفضى بعض هذه القرارات إلى سنوات من الصراع المرير. وقد تحدد هذه المرة مسارا للتعايش السلمي لعقود قادمة.
ترجمة: إبراهيم محمد علي
بروس أكرمان أستاذ القانون والعلوم السياسية (Sterling Professor) في جامعة ييل، هو مؤلف كتاب دساتير ثورية: القيادة الكاريزمية وحُـكـم القانون (مطبعة جامعة هارفارد، 2019)، والذي يتضمن تحليلا للتطور السياسي في إيران على مدار القرن الماضي.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.