سونيا جواخاخارا: مكافحة تغير المناخ تتطلب عقلية مختلفة

سونيا جواخاخارا: مكافحة تغير المناخ تتطلب عقلية مختلفة

- ‎فيمقالات رأي دولية, واجهة
0
image 2024 07 18 155955762
إكسبريس تيفي

متابعة

في مقالها، تسلط وزيرة الشعوب الأصلية في البرازيل سونيا جواخاخارا، الضوء على الأزمة المناخية العالمية وتدعو إلى تغيير جذري في نماذج التنمية الاقتصادية والاجتماعية. تؤكد على أهمية دور الشعوب الأصلية في حماية التنوع البيولوجي وتدعو إلى إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري. تنتقد بشدة استمرار الاستثمارات في مصادر الطاقة غير المستدامة وتطالب الدول المتقدمة، خاصة مجموعة السبع والعشرين، بتحمل مسؤولية أكبر في مواجهة تغير المناخ. تشدد على ضرورة زيادة الاستثمارات في الطاقة المتجددة والاقتصاد الحيوي، وتدعو إلى تمويل مناخي عادل من الشمال إلى الجنوب العالمي. أخيرًا، تؤكد جواجاخارا أن الوقت قد حان للانتقال من مجرد الكلام إلى التنفيذ الفعلي لخطط مواجهة تغير المناخ.

اليكم المقال كاملا:

سونيا جواخاخارا

البرازيل ـ تؤكِّـد الكوارث المناخية التي تتكشف للعيان في مختلف أنحاء العالم ــ بما في ذلك الفيضانات غير المسبوقة في البرازيل وأفريقيا والصين، وموجات الحر في آسيا والشرق الأوسط، وموجات الجفاف المتواصلة في أوروبا وأميركا اللاتينية ــ أن الكوكب يمر بمنعطف حَـرِج. ما يدعو إلى التفاؤل أننا لا نزال قادرين على اغتنام الفرصة لإعادة تعريف نماذجنا في إدارة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. إلى جانب الحفاظ على غاباتنا واستعادتها، يتعين علينا أن ننهي اعتمادنا على الوقود الأحفوري ونحتضن مصادر الطاقة المتجددة.

بفضل معرفتنا التي توارثناها عن أجدادنا واحترامنا للطبيعة، تشكل الشعوب الأصلية أصولًا ثمينة في مواجهة هذا التحدي. فبرغم أننا نشكل 5% فقط من سكان العالم، فإن أراضينا تحفظ أكثر من 80% من التنوع البيولوجي في العالَـم. نحن نعلم أن الطبيعة تَـرُدّ دومًا عندما يحاول البشر السيطرة عليها. تؤكد الكوارث المناخية اليوم هذه الديناميكية. وهي تبين لنا لماذا يتعين علينا أن نتجاوز تجاربنا الفردية حتى يتسنى لنا الوصول إلى حالة أعلى من الوعي في التعامل مع الطبيعة.

لتحقيق هذه الغاية، نلتزم نحن في البرازيل بمكافحة إزالة الغابات، وتعزيز ترسيم وحماية وإدارة الأراضي الأصلية بيئيًا. تشكل مثل هذه التدابير ضرورة أساسية للحفاظ على التنوع البيولوجي، والحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتجنب نقطة اللاعودة في إدارة المواطن والمناطق الأحيائية الأساسية مثل الأمازون. كما تركز البرازيل على الطاقة التي ننتجها ونستهلكها، وهو التحدي الذي ينطوي على مناقشات معقدة ويفرض علينا اختيارات قاسية.

لكن تغير المناخ أزمة عالمية. والنماذج الاقتصادية غير المستدامة المبنية على طاقة الوقود الأحفوري تؤثر بشكل غير متناسب على السكان الأكثر ضعفًا. من خلال نبذ نماذج التنمية العتيقة القائمة على تدمير الطبيعة، يُـصـبِـح بوسعنا الانطلاق على مسار ليس فقط أكثر استدامة، بل وأيضًا أكثر عدالة.

على الرغم من المخاطر الواضحة التي يفرضها الوقود الأحفوري، فإن الاستثمارات الضخمة في مصادر الطاقة هذه تستمر دون أن يعترض طريقها أحد. والتبرير الشائع هو أن إحراق الوقود الأحفوري يحقق فوائد اقتصادية، لكن صناعة النفط تركز بشكل كبير على الدخل، على النحو الذي يعود بمكاسب كبيرة على قِـلة من الناس، في حين يتحمل كثيرون التأثيرات الخارجية السلبية ــ وخاصة التلوث، والفساد، والاضطرار إلى النزوح.

لكن التكاليف البشرية، والمالية، والبيئية المترتبة على هوسنا الـمَـرَضي بالوقود الأحفوري أصبحت واضحة على نحو متزايد. لنتأمل هنا الفيضانات الكارثية الأخيرة في ريو غراندي دو سول في البرازيل، والتي قتلت مئات الأشخاص وشردت كثيرين غيرهم؛ أو الجفاف غير المسبوق الذي ترك الآلاف بلا ماء أو طعام في الأمازون، موطن أكبر مستجمع للمياه على كوكب الأرض؛ أو الحرائق في بانتانال، أكبر الأراضي الرطبة في العالَـم. وفي حين تُنفَق مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب لدعم التعافي من مثل هذه الكوارث، تظل مليارات أخرى تذهب لدعم صناعة الوقود الأحفوري ومساهميها.

ولكن ما الذي قد يحمل الحكومات على إعطاء الأولوية للاستثمارات في التخفيف من التأثيرات المترتبة على تغير المناخ والتكيف معه بدلًا من هذه الإعانات المدمرة؟ يتعين على مجموعة الدول السبع وغيرها من الاقتصادات المتقدمة أن تتحمل مسؤولية إظهار قدر أعظم من الزعامة في التعامل مع هذه القضية. الواقع أن التأثيرات المترتبة على تغير المناخ تشكل تهديدًا ملموسًا يقوض النمو والأمن في كل مكان. وبينما يستعد رؤساء الدول والحكومات ــ وخاصة أولئك من مجموعة الدول السبع ومجموعة العشرين ــ لاجتماعات المناخ المقبلة في أذربيجان والبرازيل، ينبغي لهم أن يسألوا أنفسهم أي عدد من الكوارث المناخية التي يريدون أن يسمحوا بحدوثها قبل أن يتحركوا.

إننا نملك حق اتخاذ القرار حول هيئة العالم الذي نريد أن نبنيه. فهل نستمر على المسار الذي رسمه منطق استغلالي يتحول ضدنا على نحو متزايد، أو نستغل هذه اللحظة، ونغير المسار، ونبدأ في تقدير المعرفة التي توارثناها عن أجدادنا؟ إذا اخترنا الخيار الأخير ــ كما ينبغي لنا ــ فسوف نحتاج إلى تأمين الموافقة الحرة والمسبقة والمستنيرة من قِبَل كل المجتمعات المشاركة في أي مشاريع جديدة، ليس فقط لحماية الحقوق بل وأيضًا لضمان نتائج أكثر فعالية.

الواقع أن ما يلزمنا من تكنولوجيا ومعرفة للانتقال العادل متوفر بالفعل. وقد أحرزت بلدان عديدة تقدمًا كبيرًا في هذا الاتجاه، وهو ما يثبت أن المستقبل المستدام ممكن وقابل للاستمرار اقتصاديًا. يجب أن تعمل الكوارث المتوالية من حولنا كنداء إيقاظ لكل البلدان لإنهاء استكشاف الوقود الأحفوري، والحد من استخدامه قدر الإمكان، والاستثمار في الطاقة المتجددة، والاقتصاد الحيوي، والبنية الأساسية المرنة.

تتمثل قضية كبرى معلقة أخرى في حقيقة مفادها أن التدفقات المالية لا تزال بحاجة إلى أن تتماشى مع الأهداف المحددة بموجب اتفاق باريس للمناخ. لا ينبغي لنا أن نكتفي بزيادة الاستثمارات السنوية في العمل المناخي بشكل كبير، بل يتعين على بلدان الشمال أن تتحمل مسؤولية حشد التمويل المناخي لصالح الجنوب العالمي في هذا العقد. آنئذ فقط يصبح بوسعنا ضمان انتقال الطاقة العادل والمتسارع وحماية الطبيعة حقًا، على النحو الذي يسمح لهذا الانتقال بالاضطلاع بدوره الذي لا غنى عنه في تثبيت استقرار الأنظمة على كوكب الأرض والتي تعتمد عليها حياة الإنسان وازدهاره.

الواقع أن أزمة المناخ تشكل فرصة لإعادة تقييم خياراتنا وأولوياتنا. لقد وجهت لنا الطبيعة بالفعل تحذيرات عديدة، وهي أيضًا تقدم لنا الحلول. لكن التخفيف من آثار تغير المناخ، والقضاء على الوقود الأحفوري، والحفاظ على الغابات واستعادتها، وحماية أراضي الشعوب الأصلية لن يحدث تلقائيًا. كل هذا يستلزم التمويل، والسياسات الملموسة، والتعاون العالمي. سوف نسمع وفرة من الخطب النبيلة الطموحة في الأشهر المقبلة، ولكن إذا لم تكن هذه الخطب مدعومة بخطط تنفيذ شاملة، فإنها لن تتعدى كونها مجرد كلام. ونحن لدينا بالفعل من الكلام ما يفيض عن حاجتنا.

سونيا جواخاخارا وزيرة الشعوب الأصلية في البرازيل.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.

https://www.project-syndicate.org

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *