مَـرثية ريفية من أجل أوكرانيا والغرب

مَـرثية ريفية من أجل أوكرانيا والغرب

- ‎فيمقالات رأي دولية, واجهة
0
img 1722613461283
إكسبريس تيفي

متابعة: 

في تعليق نشرته صحيفة نيويورك تايمز، اقترح جيمس ديفيد فانس استراتيجية “دفاعية” لأوكرانيا، والتي اعتُبرت وصفة للهزيمة، مما يشير إلى استرضاء روسيا على حساب أوكرانيا، وهو ما يمثل خسارة استراتيجية للولايات المتحدة وانتصاراً لموسكو وبكين. يُشير فانس إلى أنه بحكم حجم روسيا، يمكنها هزيمة أوكرانيا، وهي حجة خطيرة تعطي بوتين الضوء الأخضر لإحياء الإمبراطورية السوفييتية. روسيا، المتحالفة مع الصين، تسعى لتغيير النظام العالمي، وأمريكا المتراجعة استراتيجياً قد تشجع الكتلة الاستبدادية الأوراسية وتُهدد تايوان وغيرها. الحروب ليست مجرد صراع عسكري بل صراع إرادات سياسية، وما حدث في أفغانستان يُظهر أن الذخيرة ليست العامل الحاسم. بوتين لا يخفي طموحاته لابتلاع أوكرانيا، وإذا انسحبت أمريكا، فسيكون الأمر تكراراً لأخطاء ماضية، مما يعرض دولاً أخرى للخطر. أوكرانيا تُدافع عن نفسها وعن الغرب، ونجاحها العسكري يُعد انتصاراً. الثمن الذي يدفعه العالم لدعم أوكرانيا ضئيل، ولا يجب سحب الدعم عنها، بل يجب تعزيز الاستراتيجية الدفاعية لتحقيق السلام. فانس يزعم أن الأوروبيين عليهم مسؤولية كبيرة، لكن الدعم الأوروبي يفوق الدعم الأمريكي، والاتحاد الأوروبي يعمل على دمج أوكرانيا رسمياً. الأمن الأوروبي والعالمي في خطر، وأوكرانيا تُعتبر نموذجاً لما قد يحدث في شرق آسيا إذا تُرك الأمر لروسيا. تصريحات فانس قد تقود لتراجع القيم الغربية إذا استمرت الولايات المتحدة في الانسحاب الاستراتيجي.

اليكم المقال كاملا: 

بقلم: كارل بيلدت

ستوكهولم ـ في تعليق نشرته صحيفة نيويورك تايمز في أبريل/نيسان الماضي، اقترح جيمس ديفيد فانس، المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس الآن، استراتيجية “دفاعية” لأوكرانيا والتي لم تكن سوى وصفة للهزيمة. لا شك أن كلماته قُـرِئَـت بعناية، واستقبلت بالترحاب، في بكين وموسكو. إن استرضاء روسيا على حساب أوكرانيا يرقى إلى كونه خسارة استراتيجية كبرى للولايات المتحدة، وبالتالي انتصارا لخصومها.

لا ينبغي لدفاع فانس عن الاسترضاء أن يكون مفاجئا لأحد. ففي بودكاست يرجع إلى عام 2022 قال ستيف بانون، مُـرشِد دونالد ترمب السياسي (المسجون حاليا): “أنا لا أبالي حقا بما يحدث لأوكرانيا بأي شكل من الأشكال”. تتلخص حجته في الأساس في أن روسيا، بما أنها أكبر من أوكرانيا، يمكنها أن تطلق قنابل وصواريخ أكثر مما يستطيع الأوكرانيون وداعموهم الغربيون التعامل معه.

لا شك أن روسيا أكبر من أوكرانيا. ولكن إذا كان هذا سببا كافيا لقبول أوكرانيا بالهزيمة، فإن ذات الحجة يمكن تطبيقها على ثماني دول مجاورة أخرى كانت عند مرحلة ما جزءا من الإمبراطورية الروسية/السوفييتية. الواقع أن فانس يعطي الضوء الأخضر فعليا لطموح فلاديمير بوتن لإحياء الإمبراطورية القديمة من خلال الغزو. الجارة الوحيدة المتبقية ستكون الصين، شريكة روسيا “بلا حدود“.

إن روسيا العظمى الـمُـنبَـعِـثة من جديد، بالتحالف مع الصين اليوم، تتمنى لو تتمكن من تغيير النظام العالمي. الواقع أن هذه هي النتيجة التي يريدها قادة البلدين على وجه التحديد. إن أميركا المتراجعة استراتيجيا ــ التي تتخلى عن كابول ثم كييف ــ من شأنها أن تشجع الكتلة الاستبدادية الأوراسية على الشروع في الهجوم. وسوف تصبح أيام تايوان معدودة، وقد تنهار دول أخرى حتى قبل أن يحدث ذلك.

لقد عَـلَّـمَـنا الـمُـنَـظِّـر العسكري البروسي كارل فون كلاوزفيتز أن الحرب عبارة عن صراع إرادات سياسية. من المؤكد أن الترسانات والكتائب عناصر مؤثرة، لكنها غالبا ليست ما يهم في النهاية. فـلم تتحدد نتيجة الحرب في أفغانستان استنادا إلى أي جانب كان يمتلك من الذخيرة العسكرية قدرا أكبر مقارنة بالجانب الآخر. ومرة ​​أخرى، إذا كنت تعتقد أن القوة النارية هي كل شيء، فلابد وأن تعتقد أيضا أن تايوان يجب أن تستسلم.

لم يحاول بوتن إخفاء أهدافه من الحرب. أثناء مقابلة أجراها مع الزعيم الروسي في فبراير/شباط من عامنا هذا، أسدانا الناشط اليميني تاكر كارلسون صنيعا كبيرا عندما سمح لموضوع الحديث بأن يحوم حول حلم بوتن بمحو أوكرانيا من على الخريطة. لم تكن القضية حقا تتعلق قَـط بالأوكرانيين الناطقين باللغة الروسية أو توسع حلف شمال الأطلسي أو أي شيء آخر. بل إن بوتن، بعد أن أعاد إحياء الرؤية الإمبريالية الروسية الكلاسيكية، يعتقد أن أوكرانيا ببساطة ليس لها الحق في الوجود كدولة مستقلة.

لا يسع أي منا إلا أن يخمن أين قد ينتهي هذا المنطق. ذلك أن بولندا، وفنلندا، ولاتفيا، وإستونيا، وليتوانيا، وجورجيا، وأذربيجان، وكازاخستان كانت جميعها ذات يوم جزءا من الإمبراطورية التي يسعى بوتن إلى استعادتها. إذا كان من الممكن إلحاق الهزيمة بأوكرانيا لأن الولايات المتحدة قررت الانسحاب، فإن كل الرهانات تصبح خاسرة. فمع وجود عدد كبير من البلدان الأصغر حجما من روسيا، سيضطر فانس إلى تكرار حجته السطحية على نحو يثير الغثيان.

من الواضح أن الدفاع عن أوكرانيا يقع في المقام الأول على عاتق الأوكرانيين. فدماؤهم هي التي تسيل في ساحة المعركة، وهم الذين تحملوا المسؤولية الـمُـخيفة المتمثلة في الدفاع عن الغرب على الرغم من كل الصعوبات التي تواجههم. عندما بدأت الحرب، لم يتوقع أحد أن يستمروا أكثر من بضعة أسابيع، إن لم يكن بضعة أيام. لكنهم صمدوا، وألحقوا أضرارا جسيمة بالمؤسسة العسكرية الروسية. وهذا وحده يشكل انتصارا.

الثمن الذي يدفعه بقيتنا ضئيل للغاية. بالنسبة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، يبلغ هذا الثمن نحو 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط ​​ــ وهو ما يزيد قليلا على عُشر إنفاقنا الدفاعي؛ وفي حالة الولايات المتحدة، يقل هذا الثمن كثيرا. صحيح أن أوروبا سمحت لقواعدها الصناعية الدفاعية ــ القدرة على إنتاج كل شيء من ذخيرة المدفعية إلى صواريخ الدفاع الجوي ــ بالتآكل والتدهور. لكن السماح لروسيا بابتلاع أوكرانيا لن يعفينا من عبء تصحيح هذا الخطأ. بل على العكس من ذلك، سوف نجد أنفسنا في بيئة استراتيجية أكثر تهديدا. وسوف يواصل المعتدي في الكرملين مسيرته.

لم يخطئ فانس عندما زعم أن استراتيجية أوكرانيا الآن لابد وأن تكون دفاعية في المقام الأول. فقد عجزت الهجمة المضادة التي شنتها أوكرانيا في العام الماضي عن إحراز تقدم كبير وجاءت نتائجها بعيدة كثيرا عن تحقيق غاياتها. ولكن بدلا من سحب الدعم المقدم لأوكرانيا، ينبغي لنا أن ندرك أن هذه هي الاستراتيجية الوحيدة الجديرة بالثقة لتحقيق بعض مظاهر السلام في المستقبل. أما الوقوف موقف المتفرجين والسماح للقاذفات الروسية بتدمير خاركيف وأوديسا فمن شأنه أن يطلق العنان لكلاب الحرب لسنوات قادمة.

في نهاية المطاف، سوف تصمت المدافع. لكن أي سلام حقيقي لن يتسنى إلا بعد إحباط حلم بوتن الإمبراطوري. يتعين على روسيا أن تتقبل دورها كدولة قومية طبيعية بين دول أخرى، ولابد من تأمين ديمقراطية أوكرانيا وأمنها من خلال التكامل مع المؤسسات الأوروبية الأطلسية. عندئذ فقط يصبح من الممكن تسوية تفاصيل العلاقة بين كييف وموسكو.

أنا أتفق مع فانس في أن الأوروبيين يتحملون مسؤولية ضخمة هنا. ولكن ينبغي له أن يدرك أن الدعم المالي الأوروبي يتجاوز بالفعل الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة، وأن الاتحاد الأوروبي بدأ عملية إلحاق أوكرانيا بعصويته رسميا. وهذه خطوة ضخمة ومهمة استراتيجيا.

لكن الأمن الأوروبي ليس وحده على المحك. في خطاب ألقاه أمام الكونجرس الأميركي في إبريل/نيسان الماضي، لم يحاول رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا تلطيف عبارته وأعرب عن رأيه صراحة قائلا: “أوكرانيا اليوم قد تكون شرق آسيا غدا”. فهل يدعو فانس إلى الاسترضاء هناك أيضا؟ إذا كان الأمر كذلك، وإذا فاز الجمهوريون برئاسة الولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني، فسوف نجد أنفسنا في عالم حيث تتقهقر القيم والمصالح الغربية تماما.

ترجمة: مايسة كامل        Translated by: Maysa Kamel

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *