التضامن بين الجزر الصغيرة والحس السليم في التعامل مع المناخ

التضامن بين الجزر الصغيرة والحس السليم في التعامل مع المناخ

- ‎فيمقالات رأي دولية, واجهة
0
الجزر الصغيرة
إكسبريس تيفي

متابعة

يتناول المقال التحديات التي تفرضها التغيرات المناخية، خاصة على الدول الجزرية الصغيرة التي تعاني من ارتفاع مستويات سطح البحر والطقس القاسي. يشدد على أهمية اتخاذ تدابير فورية للتكيف مع هذه المخاطر، إلى جانب الابتكار لإيجاد حلول جديدة. يبرز المقال دور الاتحاد الأوروبي كداعم رئيسي للدول المتضررة، عبر استثماراته في مجالات الطاقة المتجددة والمشاريع الخضراء. كما يسلط الضوء على مبادرات محددة مثل بناء ميناء بحري جديد في كيريباتي، وتحسين إدارة المياه في منطقة الكاريبي، وتطوير الطاقة النظيفة في كابو فيردي. في الختام، يؤكد المقال على ضرورة التفكير بشكل مختلف لمواجهة تحديات المناخ وضمان مستقبل أفضل للجميع.

بقلم: ناديا كالفينو وجوتا أوربيلينين

 في حين ستظل الجهود الرامية إلى التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها تشكل أولوية دولية قصوى لعقود قادمة، فإن المخاطر الأكثر إلحاحا الناجمة عن الانحباس الحراري الكوكبي تتطلب اتخاذ تدابير فورية وابتكار أفكار جديدة. وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش في منتدى جزر المحيط الهادئ في تونجا الشهر الماضي، “إذا أنقذنا المحيط الهادئ، فإننا بذلك ننقذ العالم”.

منذ توقيع اتفاقية باريس للمناخ قبل ثماني سنوات، أُحـرِز تقدم كبير في خلق اقتصاد أكثر استدامة، مع ظهور حلول تكنولوجية جديدة تسمح للدول بالحفاظ على نمو قوي في حين يمكنها أيضا من خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. وقد أصبحت الحكومات والشركات والأسر عازمة على نحو متزايد على دعم الاستثمارات في العمل المناخي. وأصبحت الطاقة المتجددة الاختيار الأول من جانب الشركات لتوليد الكهرباء. ويعزز الإبداع القدرة التنافسية للبدائل الخضراء. وتخصص المؤسسات المالية أكثر من تريليون دولار سنويا لتمويل المشاريع الخضراء.

في هذا السياق، سيكون العمل المستدام والمتضافر على المستوى العالمي هو المفتاح لتحقيق النجاح. مع ذلك، كان التقدم بطيئا للغاية في المناطق الأكثر ضعفا وعُـرضة للخطر في العالم. بالنسبة إلى سُـكَّـان الجزر الصغيرة الذين يتصارعون مع ارتفاع مستويات سطح البحر، والطقس الشديد القسوة، وارتفاع درجة حرارة المحيطات، يشكل تغير المناخ بالفعل تهديدا لوجودهم. وعلى الرغم من بصماتها الكربونية الضئيلة، تقف هذه المناطق في صدارة المشكلة. وسوف تتحول التحديات التي تواجهها اليوم إلى أزمات عالمية في الغد.

تشكل جهود التكيف أهمية بالغة للجزر الصغيرة. إذ تواجه الدول الجزرية في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ، إلى جانب أجزاء من أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، مشكلات أكثر وأشد خطورة مرتبطة بالمناخ مقارنة بأجزاء أخرى من العالم. كما أنها أكثر عرضة للمخاطر ماليا. فسواء كانت تقترض المال للتعافي من الكوارث الطبيعية أو الاستثمار لتعزيز قدرتها على الصمود في مواجهة تغير المناخ، فإنها تواجه أسعار فائدة أعلى، وتأتي هذه التكاليف الإضافية على حساب الاستثمارات في الصحة والتعليم.

باعتباره الرائد على مستوى العالم في مجال المساعدات الإنسانية والتنموية، يُـعَـد الاتحاد الأوروبي أحد أقرب شركاء الدول الجزرية الصغيرة وغيرها من المناطق المعرضة للخطر في مكافحة تغير المناخ. وبموجب استراتيجية الاتحاد الأوروبي للاستثمار، “البوابة العالمية“، وضعنا أموالنا محل وعودنا، لأن التزامنا يعكس التضامن الحقيقي والحس السليم. نحن نعلم أن تكاليف التحول الأخضر غير المنظم ستتجاوز بأشواط تكاليف الاستثمار في التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره الآن. إن التغييرات التدريجية الجديرة بالثقة التي نُـحـدِثها اليوم هي التي ستوفر علينا الضرر الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الهائل الناجم عن تغير المناخ دون رادع.

توضح بعض الأمثلة الأخيرة التزامنا. في كيريباتي، وهي دولة جزرية صغيرة في وسط المحيط الهادئ، قد يؤدي ارتفاع مستويات سطح البحر إلى جعل عدد كبير من الجزر غير صالحة للسُـكنى في غضون بضعة عقود من الزمن. لذا، يعمل الاتحاد الأوروبي وذراعه المالية، بنك الاستثمار الأوروبي، مع البنك الدولي وغيره من المؤسسات المالية الدولية على دراسة إمكانية بناء ميناء بحري جديد، والذي من شأنه أن يساعد في إعادة توطين الناس من الجزر الأصغر إلى أرض أكثر أمانا. مثل هذه المشاريع من الممكن أن تعمل كمنارة أمل للسكان المعرضين للخطر في كل مكان.

في منطقة البحر الكاريبي، حيث تتسبب العواصف العنيفة وارتفاع درجات الحرارة في إجهاد بنية المياه الأساسية والبحار المحيطة والنظم الإيكولوجية البحرية، سيعمل برنامج إدارة المياه والمحيطات النظيفة المدعوم من الاتحاد الأوروبي على توفير الدعم الخبير لإطلاق مشاريع المياه في 15 دولة في منطقة الكاريبي. كما سيعمل هذا البرنامج على تحسين الأمن المائي، والصرف الصحي، وإدارة النفايات الصلبة، والحماية من الفيضانات، فضلا عن المساعدة في الحفاظ على محيطاتنا.

يعمل الاتحاد الأوروبي وبنك الاستثمار الأوروبي أيضا على تجميع الموارد لتحويل الطريقة التي تستخدم بها كابو فيردي (دولة جزيرة قبالة ساحل غرب إفريقيا) الطاقة وتنتجها. وسوف يُـعين هذا المشروع الطَموح الحكومة على تنفيذ خطتها للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بحلول عام 2040. من خلال التركيز على الطاقة المتجددة والتخزين، سيعمل المشروع على خفض التلوث وسوف يستفيد منه بدرجة كبيرة قطاع المياه في كابو فيردي، والذي يعتمد بشدة على تحلية المياه المالحة ــ وهي عملية كثيفة الاستهلاك للطاقة. فضلا عن فوائدها البيئية والاقتصادية البعيدة المدى، فإن مثل هذه الاستثمارات من شأنها أن تجعل كابو فيردي نموذجا للتنمية المستدامة في مختلف أنحاء المنطقة.

أخيرا، في بربادوس، ندعم الاستثمارات للمساعدة في التعامل مع الفيضانات والأعاصير. وسوف يعمل أحد المشاريع، بالشراكة مع بنك التنمية للبلدان الأمريكية، على تحسين معالجة مياه الصرف الصحي وإدارة المياه الجوفية، ونحن ندعم أيضا نظاما لإعادة تدوير مياه الصرف الصحي للاستخدام الزراعي. ولتمكين هذه الاستثمارات، نقوم بتمويل برنامج “الدين مقابل التحول المناخي” الذي يستجيب لاحتياجات باربادوس المالية الخاصة في سوق السندات.

توضح هذه المشاريع كيف يبدو الدعم الحقيقي للدول الجزرية الصغيرة. إن برنامج البوابة العالمية لا يساعد في تعزيز جهود التكيف وضمان الأمن المائي فحسب، بل وأيضا في دعم الطاقة المتجددة، والإبداع الرقمي، والتعليم، والرعاية الصحية، والنقل الأخضر.

في كل من هذه الحالات، يتعين علينا أن نفكر بشكل مختلف، لأننا نواجه تحديات لم يشهدها أي منا من قبل. إن التصدي لتغير المناخ هو المهمة الأكثر خطورة في عصرنا، ويشكل الإبداع والأفكار الجديدة ضرورة أساسية. من خلال العمل معا لتنفيذ هذه الأفكار، سنقدم لسكان العالم الأكثر ضعفا وعُـرضة للخطر ــ ولنا جميعا ــ عالَما أفضل.

ترجمة: إبراهيم محمد علي        Translated by: Ibrahim M. Ali

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *