كيف نبني حاجزا ضد صدمات أسعار الغذاء

كيف نبني حاجزا ضد صدمات أسعار الغذاء

- ‎فيمقالات رأي دولية, واجهة
مقالات رأي دولية
إكسبريس تيفي

 متابعة

يتحدث المقال عن التحديات المتزايدة لتحقيق هدف القضاء على الجوع، الذي كان يُعتبر من الأهداف الأكثر قابلية للتحقيق ضمن أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030. إلا أن التقدم الذي أُحرز في هذا المجال تراجع بشكل كبير نتيجة جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، مما أدى إلى تصاعد انعدام الأمن الغذائي، خاصة في الدول الأقل دخلاً. يلقي المقال الضوء على العوامل المؤثرة، مثل ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتدهور قيمة العملات في الدول النامية، ويطرح الحاجة إلى حلول جديدة من قِبل مجموعة العشرين لمعالجة هذه الأزمة المتفاقمة.

بقلم: إيزابيلا م. ويبر، جاياتي غوش، سوديب جين

بين أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي يتعين تحقيقها بحلول عام 2030، كان القضاء على الجوع يُـعَـد الهدف الأكثر يُـسرا. ولكن في أعقاب جائحة كوفيد-19 وغزو روسيا لأوكرانيا، ذهبت 15 عاما من التقدم في تحسين القدرة على الوصول إلى الغذاء أدراج الرياح. وبرغم أن الإنتاج الزراعي العالمي أكثر من كاف لتلبية الاحتياجات الغذائية على مستوى العالَـم، فقد أصبح انعدام الأمن الغذائي خطيرا ومتصاعدا في كل مكان، حتى في البلدان الغنية. ما يثير القلق بشكل خاص هو الزيادات الخطيرة في الجوع في البلدان الأدنى دخلا.

كان ارتفاع أسعار المواد الغذائية مسؤولا عن هذا الانتكاس المدمر. والأسوأ من ذلك أن مزيدا من هذه الصدمات من المرجح أن تنشأ مع تفاقم تغير المناخ وتصاعد التوترات الجيوسياسية. يتعين على مجموعة العشرين، برئاسة البرازيل هذا العام وجنوب إفريقيا في عام 2025، أن تبتكر دليل استقرار جديد لمعالجة هذه المخاطر.

على الرغم من انخفاض أسعار المواد الغذائية عالميا من الذروة التي بلغتها في عام 2022، فإنها ظلت مرتفعة أو استمرت في الارتفاع في كثير من البلدان، وتحدث هذه الزيادات بأعظم قدر من الـحِدّة في أشد الاقتصادات فقرا. بحلول سبتمبر/أيلول 2023، سجل مؤشر أسعار الغذاء الذي تنشره منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة انخفاضا بنحو 11.5% عن العام السابق. وخلال ذات الفترة، ارتفع متوسط أسعار الغذاء في البلدان المنخفضة الدخل بنسبة 30% ــ وهو وضع مثير للقلق، خاصة وأن الناس في هذه البلدان ينفقون 30% إلى 60% من دخلهم المتاح على الغذاء.

من الأسباب الرئيسية وراء استمرار تضخم أسعار الغذاء في الجنوب العالمي، على الرغم من تباطؤ زيادة أسعار المنتجات الزراعية في مختلف أنحاء العالم، انخفاض قيمة العملة، والذي جعل استيراد الغذاء والوقود أكثر تكلفة. في السنوات الأخيرة، انعكس اتجاه تدفق رأس المال إلى البلدان النامية بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، مدفوعا بالتيسير الكمي في الاقتصادات المتقدمة، في أعقاب ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وأوروبا. وقد أدت تدفقات رأس المال الخارجة هذه إلى إضعاف عملات البلدان النامية، الأمر الذي أجبر بنوكها المركزية على رفع أسعار الفائدة حتى برغم الخطر المتمثل في احتمال إشعال شرارة تباطؤ اقتصادي. في الوقت ذاته، أدت زيادات أسعار الفائدة إلى ارتفاع تكاليف خدمة الديون، مما أدى إلى استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي لدى هذه البلدان وإعاقة قدرتها على تحمل تكلفة الواردات الغذائية.

إن اعتماد البلدان النامية على أسواق السلع الأساسية ورأس المال العالمية يقوض جهودها الرامية إلى ضمان الأمن الغذائي. ولمقاومة هذا الاتجاه، ينبغي للاقتصادات المتقدمة والنامية أن تعمل معا لتطوير استراتيجيات دولية الهدف منها تنظيم الأسواق المالية وأسواق السلع الأساسية ومعالجة مشكلات الديون السيادية. ولكن حتى في غياب مثل هذا التعاون، تستطيع البلدان النامية الحد من الآثار المدمرة المترتبة على هذه التبعية من خلال إقامة شراكات لتجميع مخزونات احتياطية من السلع الأساسية الضرورية وتنسيق سياسات إدارة حسابات رأس المال.

من الممكن أن تساعد المخزونات الاحتياطية العامة من بعض السلع الأساسية ــ وخاصة الحبوب ــ في منع ارتفاع الأسعار الذي يضر بالمستهلكين، وتجنب انهيار الأسعار الذي يضر بالمزارعين. وقد استخدمت بعض البلدان، بما في ذلك الهند والصين، المخزونات الاحتياطية لفترة طويلة لتمكين مثل هذه العمليات المضادة للدورة الاقتصادية في السوق المفتوحة، فضلا عن ضمان الإمدادات أثناء حالات الطوارئ. تتمثل ميزة أخرى للمخزونات الاحتياطية في أنها تسمح للحكومات بوضع سياسات المشتريات العامة التي تحفز ممارسات الزراعة المستدامة وتنويع المحاصيل.

بوسع الدول التي تفتقر إلى الحيز المالي لبناء مخزونات احتياطية كبيرة أن تعمل مع شركاء إقليميين لإنشاء مخزونات مشتركة. على سبيل المثال، تستطيع جنوب أفريقيا، باعتبارها أكبر اقتصاد في القارة، أن تقود مبادرة مخزونات احتياطية إقليمية بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي.

ينبغي للدول النامية أيضا أن تفكر في تنفيذ سياسات التحوط الكلي وإدارة حسابات رأس المال لمنع تدفقات رأس المال المزعزعة للاستقرار. ومن الممكن أن تشمل مثل هذه السياسات وضع حدود للاستثمار الأجنبي في الأصول المالية المحلية وتأسيس حد أدنى لفترات حبسه، وفرض متطلبات الاحتياطي على التدفقات الداخلة، واستخدام معدلات ضريبية متفاوتة للحيازات من الأصول المحلية والأجنبية. الواقع أن حكومات الجنوب العالمي استخدمت هذا النهج بنجاح في تسعينيات القرن العشرين، وينبغي لها أن تفعل ذلك مرة أخرى.

بدأت البنوك المركزية في الدول الغنية في خفض أسعار الفائدة، بسبب تباطؤ التضخم. وينبغي للزيادة المتوقعة في السيولة العالمية أن تزيد من سهولة إدخال سياسات إدارة حسابات رأس المال، في حين أن القيام بذلك الآن، حيث الظروف المالية أكثر إحكاما، يهدد بتفاقم هروب رأس المال. فضلا عن ذلك، من المنتظر أن تكون البلدان النامية أقل عرضة لمواجهة ردود الفعل العكسية العنيفة من جانب المراكز المالية العالمية إذا ما نسقت جهودها لإدارة حسابات رأس المال، بدلا من عمل كل بلد بمفرده. وباعتبارهما من كبار البلدان المتوسطة الدخل، تُـعَـد البرازيل وجنوب أفريقيا في وضع جيد يسمح لها بقيادة هذه الجهود.

أخيرا، لابد من تنظيم أسواق السلع الأساسية، وأهمها في الولايات المتحدة وأوروبا، على نحو أكثر صرامة. وينبغي للحكومات هناك أن تشترط إجراء جميع عمليات تداول السلع الأساسية في بورصات منظمة، مع فرض متطلبات صارمة على رأس المال والهامش ووضع حدود لمواقف المتداولين الأفراد. ينبغي لها أيضا أن تعمل على القضاء على “ثغرة تجار المبادلات” لتقييد المضاربة في أسواق السلع الأساسية من قِبَل مستثمرين لا يهتمون بالمنتجين أو المستهلكين.

بالإضافة إلى المطالبة بمثل هذه التغييرات في التنظيم المالي في الاقتصادات المتقدمة، ينبغي للبلدان النامية أن تفكر أيضا في التدخلات المنهجية والمنسقة في أسواق العقود الآجلة للسلع الأساسية لاستكمال مبادرات المخزون الاحتياطي. مثل هذه التدابير كفيلة بتثبيط نشاط المضاربة، وبالتالي تقليص كم احتياطيات الحبوب اللازمة للتدخل في السوق المادية.

تدرك البلدان النامية في مجموعة العشرين تمام الإدراك التهديد الخطير الذي يفرضه انعدام الأمن الغذائي. وتوفر الرئاستان المتعاقبتان من جانب البرازيل وجنوب أفريقيا للمجموعة الفرصة لترجمة هذا الفهم إلى عمل عالمي.

ترجمة: مايسة كامل        Translated by: Maysa Kamel

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *