كارل بيلت: انتصار إسرائيل قد لا يجلب السلام

كارل بيلت: انتصار إسرائيل قد لا يجلب السلام

- ‎فيمقالات رأي دولية, واجهة
48
0
كارل بيت
إكسبريس تيفي

متابعة 

في هذا المقال يتحدث كارل بيلت رئيس وزراء السويد، ووزير خارجيتها سابقا، عن تداعيات وفاة يحيى السنوار، زعيم حماس، على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مشيرا إلى أن الانتصار العسكري الإسرائيلي يبدو أقرب من أي وقت مضى، ولكنه يطرح تساؤلات حول إمكانية أن يهدد هذا النصر مستقبل إسرائيل على المدى البعيد. يناقش المقال أيضا كيف أن إسرائيل قد أضعفت حماس وحزب الله، لكنه يحذر من أن التاريخ يعيد نفسه وأن النصر العسكري لا يضمن بالضرورة تحقيق سلام دائم، بل قد يزيد من تعقيد التحديات الأمنية والسياسية في المنطقة.

بقلم: كارل بيلت

ستوكهولم ــ مع وفاة يحيى السنوار، زعيم حماس الذي خطط لهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 الذي أشعل فتيل حرب غزة، يبدو الانتصار العسكري الإسرائيلي أقرب إلى المتناول من أي وقت مضى. ولكن هل من الممكن في حقيقة الأمر أن يهدد النصر مستقبل إسرائيل في الأمد البعيد؟

في الأشهر الاثني عشر التي مرت منذ الهجوم الذي شنته حماس، سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على نحو متزايد إلى توظيف كل القوة العسكرية الإسرائيلية ضد أعداء بلاده في المنطقة. وقد أُزيل كبار قادة حماس وحزب الله، وأظهرت أجهزة الاستخبارات والقوات العسكرية الإسرائيلية أنها قادرة على ضرب أي مكان ــ من بيوت الضيافة الحكومية في طهران والمخابئ المخفية في بيروت إلى أنقاض غزة.

لا شك أن إسرائيل أضعفت حماس وحزب الله بشدة ــ وهما مكونان من “محور المقاومة” الإيراني ــ وأنها ستواصل القيام بذلك ما دامت حملتها العسكرية مستمرة. ولكن يتبقى لنا أن نرى إلى أي مدى قد تذهب المواجهة مع إيران. في أعقاب الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في وقت سابق من هذا الشهر، تبدو ضربة إسرائيلية كبرى ضد الجمهورية الإسلامية في حكم المؤكد، ولعل الرد الإيراني القوي بعد ذلك يكون حتميا. لقد ادَّخَـر نتنياهو تاريخيا أقوى خطاباته لإيران، حتى أنه دعا صراحة ​​إلى تغيير النظام؛ ويكاد يكون من المؤكد أنه على استعداد لنشر الأصول العسكرية والسرية الإسرائيلية في ملاحقة هذه الغاية.

من الناحية العسكرية البحتة، سجلت إسرائيل نجاحا تلو الآخر منذ أن بوغِـتَت بهجوم حماس، وهو اليوم الأكثر دموية في تاريخها. وبينما قضت على قيادة حماس وبنيتها الأساسية العسكرية ومقاتليها، فقد حولت غزة إلى جحيم بائس شنيع. على نحو مماثل، في محاولتها تحييد حزب الله، تسببت إسرائيل في نزوح رُبـع سكان لبنان، وقد أجبر هذا مئات الآلاف على طلب الحماية في سوريا ــ وهي دولة أخرى مُـدَمَّـرة، خَـرَّبَـتها ويلات أكثر من عشر سنوات من الحرب.

ولكن هل يُـفـضـي النصر العسكري إلى سلام طويل الأمد؟ على الرغم من الهيمنة الكاملة التي تفرضها على الأجواء الطائرات النفاثة والطائرات الـمُـسَـيَّـرة آليا التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، وبرغم أن الولايات المتحدة تعمل باستمرار على تجديد ترسانة إسرائيل من القنابل الثقيلة، فإن إسرائيل ليست بالضرورة أكثر أمنا اليوم مما كانت عليه قبل عام.

من الجدير بالذكر أن التهديد الأمني ​​الذي تواجهه إسرائيل اليوم ينبع من انتصارها المذهل في حرب الأيام الستة عام 1967. ففي عملية صد هجوم كاسح شنته جيوش عربية متعددة، احتلت إسرائيل مساحات شاسعة من الأراضي العربية والفلسطينية، بما في ذلك غزة (التي كانت خاضعة لسيطرة مِـصر سابقا) والضفة الغربية (التي كانت في السابق جزءا من الأردن).

منذ ذلك الحين، تحقق بلا شك بعض التقدم نحو السلام، حيث نجحت الاتفاقيات الإسرائيلية المصرية والإسرائيلية الأردنية في إزالة التهديد العسكري التقليدي لإسرائيل فعليا. ولكن على الرغم من النجاح المؤقت الذي حققته اتفاقيات أوسلو في عام 1993، ظلت التهديدات الناجمة عن احتلال إسرائيل لغزة والضفة الغربية قائمة. وبرغم أن الدول العربية وعدت بـ”السلام مقابل الأرض” (إنهاء الأعمال العدائية إذا سحبت إسرائيل قواتها من الأراضي المحتلة)، فقد تعطلت العملية السياسية بالفعل وبدأت تتدهور قبل فترة طويلة من السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

في إدانته لأحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أشار أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إلى أن “هجمات حماس لم تحدث في فراغ”، لأن “الشعب الفلسطيني أُخـضِـع لاحتلال خانق دام ستة وخمسين عاما”. وقد قوبل هذا البيان بانتقادات شديدة في إسرائيل. لكن الحقائق هي الحقائق. ذلك أن التهديد الذي تجسد بوحشية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول تمتد جذوره إلى فشل إسرائيل المستمر الذي دام عقودا من الزمن في إدارة انتصار 1967، وخاصة احتلال الضفة الغربية وملايين الفلسطينيين.

تُـرى هل يعيد التاريخ نفسه؟ هل تستطيع إسرائيل تحويل نجاحاتها العسكرية الأخيرة إلى عملية سياسية من أجل السلام، أو أن الحال ستنتهي بها إلى وضع آخر يهدد المواطنين الإسرائيليين في الأمد البعيد؟ كثيرا ما نسمع أحاديث عن “اليوم التالي” لإطلاق الرصاصة الأخيرة في غزة والضفة الغربية ولبنان. وهي عبارة لا تخلو من استخفاف شديد بحجم التحدي الحقيقي. فلن يتسنى لجميع سكان المنطقة أن يعيشوا في سلام وأمن إلا إذا تمكنت هذه المناطق من تحقيق الاستقرار الذي يكفل لها دعم الذات لسنوات قادمة. تتمثل المعضلة التي تواجه إسرائيل في حقيقة مفادها أنه كلما كان النصر العسكري أعظم، كلما أصبح الطريق إلى السلام والأمن أشد وعورة. الواقع أن إرث 1967 يجعل هذه الحقيقة واضحة جلية.

من منظور كثيرين في إسرائيل، يتمثل الإغراء الآن في الـمُـضي قُـدُما عسكريا: لسحق ما تبقى من غزة، وتفكيك الوضع الراهن في لبنان، ودفع إيران نحو تغيير النظام. لكن هذه الإنجازات قد لا تُـفضي إلى سلام دائم. وبينما يتلذذ نتنياهو بلحظته الشبيهة بلحظة حرب الأيام الستة، ينبغي لبقية إسرائيل أن تتوقف قليلا لتتأمل في تاريخ السنوات الستين الأخيرة. فالنصر لا يجلب دوما السلام، وخاصة في الشرق الأوسط.

 

ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim
M. Ali
كارل بيلت رئيس وزراء السويد ووزير خارجيتها سابقا.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *