كارل بيلدت : رئيس وزراء ووزير خارجية سابق في السويد
ستوكهولم – انهيار نظام الأسد في سوريا – مع هروب الرئيس بشار الأسد إلى موسكو دون أن يعلم حتى أقرب المقربين منه – ترك اللاعبين الإقليميين والدوليين في حالة من الارتباك وهم يسعون لاستعادة الاستقرار في البلاد.
بالطبع، كانت هناك العديد من المحاولات لاستعادة الاستقرار في سوريا منذ بداية حربها الأهلية في عام 2011، بعد أن قمع الأسد بقوة التظاهرات السلمية في إطار الربيع العربي. وعلى الرغم من عديد الفشل، لا يزال قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي تم اعتماده بالإجماع في ديسمبر 2015، يشكل حجر الزاوية للجهود الدبلوماسية الدولية لحل النزاع السوري. ويوفر هذا القرار خارطة طريق واضحة لانتقال سياسي بقيادة سوريا تحت دستور جديد، مع انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة وتدابير لضمان حكومة شاملة.
من الصحيح أنه لم يتم إحراز تقدم يذكر في أي من هذه الجوانب. حيث يعتبر “اللجنة الدستورية”، الهيئة المكلفة بتنفيذ القرار 2254، مثالا على الإمكانيات والقيود للعملية الأممية. تتألف اللجنة من ممثلين عن نظام الأسد والمعارضة والمجتمع المدني، وكان من المفترض أن تقوم بصياغة دستور جديد يمكن أن يكون أساسا للتسوية السياسية. لكن اللجنة لم تحقق أي تقدم كبير بعد العديد من جولات الاجتماعات في جنيف، بسبب عرقلة وفد النظام.
لم يواجه النظام أي عواقب على تعطيل العملية، لأن مجلس الأمن الدولي نفسه كان منقسما بشكل عميق. فقد سمح وضع روسيا كعضو دائم في المجلس ويمتلك حق الفيتو بحماية الأسد من إجراءات دولية أكثر قوة، وكان تدخلها العسكري في عام 2015 قد أنقذ نظامه وغير بشكل أساسي ميزان القوى على الأرض. ورغم محاولات المبعوث الخاص للأمم المتحدة، غير بيدرسن، كسر الجمود من خلال جذب النظام بوعد تخفيف العقوبات، إلا أن هذه المقترحات لم يكن لها أي تأثير.
الآن، فجأة، تغير كل شيء. في حين أن أول شخصية أجنبية زارت دمشق بعد سقوط النظام كانت إبراهيم كالين، رئيس المخابرات التركية، فإن الثانية (حسب ما نعلم) كانت بيدرسن. علاوة على ذلك، تقول العديد من الحكومات إنها على اتصال مع الجماعة المتمردة الرئيسية، “هيئة تحرير الشام” (HTS)، وحكومتها المؤقتة. ولم يكن تصنيف الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى لهيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية عقبة في هذا الصدد.
على الرغم من أن الكثير لا يزال غير واضح، إلا أن خارطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة في 2015 تظل الخيار الأفضل لضمان حكم شامل، وهو شرط أساسي للاستقرار في سوريا. والسؤال هو ما إذا كان جميع اللاعبين المحليين والإقليميين سيتعاونون مع العملية.
لم تتردد إسرائيل في تعزيز قواتها خارج هضبة الجولان، مُلغية الترتيبات التي كانت سائدة منذ حرب يوم كيبور عام 1973 (عندما أثارت حتى المكاسب المحدودة التي حققتها في المنطقة مشاعر الغضب في العالم العربي). كما أنها تنفذ غارات جوية استباقية ضد ما تبقى من العتاد العسكري السوري ومنشآت الأسلحة.
بالنسبة لتركيا، فإن السؤال الأكبر هو ما إذا كانت تستطيع قبول إطار حوكمة سوري يشمل الأكراد. أولويات الحكومة التركية هي تهميش أي عناصر مرتبطة بحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تعتبره منظمة إرهابية (كما تفعل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي). من الناحية المثالية، قد يساعد تسوية جديدة في سوريا حتى على تهدئة قضية الأكراد في تركيا نفسها.
من المخاطر الواضحة أن بقايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قد تستغل حالة الغموض الحالية لتعزيز موقفها. لكن كل من “هيئة تحرير الشام” والعديد من الجماعات الكردية قد حاربت داعش لسنوات، وهم الآن أكثر تصميماً على مقاومته. ومن القوة الرئيسية للعملية الأممية أنها لا توجد بدائل مؤاتية؛ إذا انهارت، فإن العواقب ستكون كارثية على جميع الأطراف المعنية. ويظهر تركيز المتمردين المنتصرين على بناء وصيانة مؤسسات الدولة أنهم على دراية كاملة بالمخاطر.
لكي تنجح، يجب أن تتم العملية من قبل السوريين لصالح السوريين، ولكن مع المساعدة الخارجية. الوضع الإنساني كارثي ويتطلب اهتمامًا عاجلًا. يجب على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن يُوضحا لجميع الأطراف المعنية استعدادهما لرفع العقوبات الاقتصادية على سوريا دعمًا للانتقال السياسي.
الرهانات مرتفعة بشكل خاص بالنسبة لأوروبا، التي لا تزال سياستها تطاردها أزمة اللاجئين لعام 2015. إن تكرار تلك الحلقة سيكون كابوسا. ومن جانبها، تتمتع تركيا بمصلحة حيوية في الاستقرار على حدودها. فقد استضافت لسنوات ملايين اللاجئين السوريين الذين ترغب في عودتهم إلى وطنهم، والعديد منهم يعبرون الآن عن استعدادهم للعودة.
ومع ذلك، فإن العملية المقبلة ستكون طويلة ومعقدة. فالحكم السوري لم يكن يوما مسألة بسيطة. إذا بدأ أي من اللاعبين الرئيسيين في متابعة أجندته الخاصة بشكل أحادي، فقد تتدهور الظروف بسرعة. ومع ذلك، تظل العملية الأممية هي أفضل طريق للمضي قدمًا، مما يمنح المنظمة فرصة لإظهار أنها لا تزال لا غنى عنها في حالات مثل هذه.