بقلم كيلين إلينجرود وماركو بيكيتو وتيلمان تاكي
في عام 1990، كان أكثر من ثلث سكان العالم يعيشون تحت خط الفقر المدقع للبنك الدولي (2.15 دولار في اليوم). منذ ذلك الحين، انخفضت هذه النسبة إلى أقل من 10% – وهو إنجاز ملهم ومذهل. لكن بالكاد تغطي هذه النسبة ما يصبو إليه الفقراء.
لهذا الغرض، قدم معهد ماكينزي العالمي (MGI) مفهوم “خط التمكين”. بناءً على عمل اقتصاديي التنمية، يمثل هذا الحد الدخل المطلوب لتلبية الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء، المأوى، الرعاية الصحية، التعليم، المياه، النقل، والطاقة، مع توفير ما يكفي من المدخرات لمواجهة الطوارئ غير المتوقعة.
الدخل ضروري لتمكين الاقتصاد، ولكن القدرة على تحمل التكاليف لا تقل أهمية. بينما يختلف الدخل المطلوب لتلبية الاحتياجات الأساسية من بلد لآخر، فإن المعيار العالمي هو 12 دولارًا للفرد يوميًا من حيث تعادل القوة الشرائية. على الرغم من عقود من التقدم، لا يزال حوالي 80% من سكان الاقتصادات منخفضة الدخل، و50% في البلدان متوسطة الدخل، يعيشون تحت هذا الحد. حتى في أكثر دول العالم تقدمًا، يظل 20% من السكان غير ممكّنين اقتصاديًا.
أحد أسباب استمرار فجوة التمكين هذه هو أن ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لا يترجم دائمًا إلى فوائد اقتصادية واسعة النطاق. غالبًا ما ترتفع تكلفة الاحتياجات الأساسية – مثل الإسكان في البلدان مرتفعة الدخل والغذاء في البلدان منخفضة الدخل – بشكل أسرع من الأجور، مما “يقلل” من مكاسب الدخل ويؤدي إلى تدهور مستويات المعيشة.
يمكن أن يلعب خفض تكلفة السلع والخدمات الحرجة دورًا حاسمًا في تعزيز التنمية الشاملة. يقدر معهد ماكينزي العالمي أن تخفيض الأسعار في البلدان مرتفعة التكلفة لتتناسب مع تلك الموجودة في البلدان الأكثر قدرة على تحمل التكاليف عند مستويات دخل مماثلة يمكن أن يرفع حوالي 230 مليون شخص – 2.8% من سكان العالم – فوق خط التمكين. على سبيل المثال، في البلدان التي يتراوح دخل الفرد فيها بين 2500 و5000 دولار، تختلف تكاليف الغذاء بشكل كبير، حيث تدفع بعض الأسر أكثر من ضعف ما تدفعه أسر أخرى للضروريات الأساسية. تقليص هذه الفجوات لن يخفف فقط من الضغوط المالية، بل سيمكن ملايين الأسر من تحقيق أمن اقتصادي دائم.
تساعد الأسواق الفعالة في الحفاظ على الأسعار تحت السيطرة، بينما تؤدي عدم الكفاءة إلى زيادة التكاليف والحد من الوصول إلى السلع والخدمات الأساسية. يؤكد تقرير حديث صادر عن معهد ماكينزي العالمي على ضرورة قيام الحكومات بتحسين القدرة على تحمل التكاليف، ويبرز فعالية تعزيز المنافسة، سواء على المستوى المحلي أو العالمي، من خلال اللوائح وسياسات التجارة.
يُعتبر القطاع الخاص، الذي يوظف الغالبية العظمى من القوى العاملة العالمية، في وضع جيد لدعم التمكين الاقتصادي، وهناك ثلاثة أسباب مقنعة تدفع الشركات للقيام بذلك.
أولاً، يدفع القطاع الخاص بالفعل عجلة التمكين الاقتصادي من خلال خلق فرص عمل جيدة وتقديم السلع والخدمات. وفقًا لمعهد ماكينزي العالمي، تخصص الشركات الأمريكية 4 تريليونات دولار سنويًا لتمكين الموظفين والموردين والمجتمعات، بينما تساهم نظيراتها الأوروبية بمبلغ 2.1 تريليون دولار. على هذا النطاق، يمكن حتى للتحسينات الطفيفة أن تولد فوائد كبيرة.
ثانيًا، تواجه الشركات ضغوطًا متزايدة للنظر في تأثيرها الاجتماعي إلى جانب أدائها المالي. تُظهر الأبحاث أن معالجة الآثار الأوسع لأنشطتها يمكن أن يساعد الشركات في تعزيز رضا الموظفين، وتحسين ولاء العملاء، وزيادة الإنتاجية.
أخيرًا، يمكن أن يكشف النهج الموجه نحو التمكين عن فرص سوقية جديدة. بينما دخل عدد قليل من مزودي خدمات الهاتف المحمول إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أو جنوب آسيا بهدف تمكين المجتمعات المحلية، فإن نجاحهم في ربط المزارعين الصغار بالأسواق العالمية وتسريع الشمول المالي قد حقق ذلك. يتكرر هذا الاتجاه في قطاع التجزئة، حيث جعل نموذج الأعمال منخفض التكلفة لمتاجر البقالة الغذاء أكثر بأسعار معقولة لملايين الأشخاص حول العالم.
لفهم كيفية قيام الشركات بتعزيز التمكين، حلل معهد ماكينزي العالمي المبادرات التي أطلقتها 100 شركة كبيرة من مختلف الصناعات حول العالم. تشمل هذه الجهود الرعاية الصحية المدعومة، وبرامج التدريب الداخلية لمساعدة الموظفين على التقدم إلى أدوار ذات أجور أعلى، والأنشطة الخيرية مثل التبرعات لبنوك الطعام والإغاثة في حالات الكوارث. كما تعهد عدد متزايد من الشركات بدفع أجور معيشية لموظفيها، مع مطالبة بعضها مورديها بفعل الشيء نفسه.
لكن تحديد النهج الأكثر فعالية لا يزال يمثل تحديًا كبيرًا. بينما تُعتبر منحنيات تكاليف التخفيف الهامشية أداة مقبولة على نطاق واسع لتقييم كفاءة التكلفة في الجهود المبذولة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، لا يوجد إطار عمل مماثل لتقييم تأثير المبادرات الاجتماعية. لسد هذه الفجوة، طور معهد ماكينزي العالمي مقياس “تأثير التمكين”، الذي يقيس فوائد هذه البرامج بالنسبة إلى تكاليفها. تشير النسبة 1.0 إلى أن كل دولار يتم إنفاقه يوفر دولارًا واحدًا من الفوائد للأسر التي تقع تحت عتبة التمكين، بينما تعكس النسبة الأقل كفاءة أعلى في التكلفة.
باستخدام هذا المقياس، يمكن للشركات تصميم وتنفيذ البرامج الاجتماعية بشكل أفضل. على سبيل المثال، يقدر معهد ماكينزي العالمي أنه إذا قامت الشركات والمؤسسات الأمريكية بتحسين كفاءة التكلفة لتبرعاتها الخيرية – التي تبلغ 140 مليار دولار سنويًا – بنسبة 10% فقط، فإنها يمكن أن ترفع خمسة ملايين شخص إضافي فوق عتبة التمكين الاقتصادي.
يمكن للشركات الاستفادة من خبراتها لتحديد الفئات الأكثر عرضة للوقوع تحت خط التمكين، وتصميم حلول تلبي التحديات المحددة، مثل نقص الإسكان في ألمانيا، وارتفاع أسعار الغذاء في فيتنام والصين، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية في الولايات المتحدة. يمكن أن يساعد فهم هذه السياقات المحلية الشركات في تطوير مبادرات تعزز نقاط قوتها الأساسية. على سبيل المثال، قد تركز شركة أدوية على توسيع الوصول إلى الأدوية المنقذة للحياة، بينما يمكن أن تستثمر البنوك في مشاريع الإسكان بأسعار معقولة.
بالتأكيد، يُعتبر النمو الاقتصادي المحرك الأقوى لتقليل الفقر، خاصة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. لكن النمو وحده لا يكفي. تحقيق تقدم ذي مغزى يتطلب فوائد موزعة على نطاق واسع، مدعومة بتوفير اجتماعي قوي وتحسين القدرة على تحمل التكاليف. بدون هذه الأسس، سيظل التمكين الاقتصادي بعيد المنال، مما يمنع ملايين الأشخاص من تحقيق إمكاناتهم الكاملة.