ترمب الـمُستَسلِم

ترمب الـمُستَسلِم

- ‎فيمقالات رأي دولية, واجهة
كارل بيلت
إكسبريس تيفي

بقلم : كارل بيلت : رئيس وزراء ووزير خارجية سابق في السويد

ستوكهولم ــ تُـرى هل يتمكن الرئيس الأميركي دونالد ترمب حقا من التوصل إلى سلام بين روسيا وأوكرانيا، أو أننا نواجه تكرار اتفاقية ميونيخ السيئة السمعة؟ عندما أجبرت بريطانيا وفرنسا تشيكوسلوفاكيا على التنازل عن إقليم السوديت لألمانيا النازية في عام 1938، كانتا تتصوران أن ذلك من شأنه أن يضمن سلاما طويل الأمد. ولكن كان لاسترضاء المعتدي التحريفي تأثير عكسي، حيث هيأ الساحة لاندلاع حرب عالمية أخرى بعد عام واحد.

إذا كان السلام يعني تسوية كل القضايا التي تفرق الآن بين روسيا وأوكرانيا، فإن احتمال تحقيق مثل هذه النتيجة ضئيل للغاية. يكمن أصل الحرب في تصميم الرئيس الروسي فلاديمير بوتن على منع أوكرانيا من أن تصبح دولة “معادية لروسيا”، وبالتحديد من خلال إجبارها على العودة إلى الخضوع لسيطرة الكرملين. ذلك أن أوكرانيا الديمقراطية ذات السيادة التي سعت إلى التعاون والاندماج مع الغرب لم تكن متوافقة مع ما يعتبره بوتن واجبه التاريخي. فلطالما أكد أن انهيار الاتحاد السوفيتي كان كارثة، وأن أوكرانيا ليست في الواقع دولة قومية مستقلة.

هذا يعني أن السلام الحقيقي بين روسيا وأوكرانيا لن يكون في حكم الممكن قبل أن يغادر بوتن الكرملين، وتكتسب رؤية أكثر واقعية لمستقبل روسيا مزيدا من النفوذ هناك. لا شيء من هذا القبيل يبدو وشيكا. ولكن إذا لم يكن السلام ممكنا في الأمد القريب، فإن وقف القتال وبدء عملية سياسية للحد من التوترات قد يكون في حكم الممكن.

من الواضح أن وعد ترمب بإنهاء الحرب في غضون 24 ساعة لم يكن جادا قَـط. فهو الآن يواجه تحديا سيستغرق بضعة أشهر، وليس بضع ساعات. فقد أوضح بوتن سابقا أنه لن يقبل بوقف إطلاق النار الذي لا يؤدي إلى توسع روسيا إقليميا وخضوع أوكرانيا سياسيا وعسكريا. وسوف يحاول الآن انتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب من لقاء مباشر مع ترمب، واستنادا إلى الاجتماعات السابقة بين الرجلين، فإن نهجه المتطرف قد يؤتي ثماره. لنتذكر هنا اجتماع ترمب الخاص مع بوتن في هلسنكي عام 2018، عندما أعلن أنه ثقته في الزعيم الروسي أعظم من ثقته في وكالات استخباراته شخصيا.

ولكن هل يستطيع ترمب حقا تسليم أوكرانيا إلى بوتن؟

في سبتمبر/أيلول 1938، لم يكن أمام تشيكوسلوفاكيا أي اختيار بشأن ما حدث لها. بل إنها لم تكن حتى على طاولة المناقشات في ميونيخ، حيث أقنع أدولف هتلر القادة الفرنسيين والبريطانيين بقبول تقطيع أوصالها. وفي غضون ستة أشهر، انتهك هتلر الاتفاقية، وكانت جنازير الدبابات الألمانية تهدر في طريقها إلى براج. الواقع أن ترمب وبوتن عاقدا العزم بذات القدر على منع وجود أوكرانيا على طاولة المفاوضات. ويبدو أن نيتهما تتلخص في صياغة اتفاقية، ثم إجبار أوكرانيا على قبول شروطها.

سيكون بوتن في الأرجح شديد الطموح في مطالبه، لأنه يعلم أن هذه هي فرصته الكبرى. في محاولته الافتتاحية، سيسعى ترمب في الأرجح إلى وقف إطلاق النار بشكل مباشر وصريح، على أن تلي ذلك محادثات سياسية. لكن بوتن سيكون راغبا في المزيد. فهو لن يصر على مطالبه الأصلية فحسب، بل سيطالب أيضا بتخفيف العقوبات الغربية. ويكمن الخطر، بطبيعة الحال، في أنه سيبالغ في تقدير ما في يده من أوراق، ويطالب بأكثر مما يتصور ترمب أنه قادر على تحقيقه.

ولكن حتى لو قاوم بوتن هذا الإغراء واتفق الرجلان على الشروط الإقليمية والسياسية، فمن غير المؤكد على الإطلاق أن يكون ترمب قادرا على إجبار أوكرانيا على قبولها. في عام 1938، قررت تشيكوسلوفاكيا الامتناع عن خوض القتال، لأن آفاقها العسكرية كانت بائسة أساسا. لكن أوكرانيا ليست كذلك. واحتمالات أن تبتلع ببساطة إملاءات ظالمة وغير عادلة بشكل صارخ ضئيلة إلى معدومة.

من المؤكد أن الحرب أرهقت أوكرانيا بعد سنوات من حرب الاستنزاف والضربات الروسية الروتينية على المدنيين والبنية الأساسية الحرجة. لكن الأوكرانيين يدركون أيضا ما هو على المحك. في فبراير/شباط 2022، افترض الجميع تقريبا أنهم سينهارون تحت الضغط الروسي في غضون أيام أو أسابيع فقط. ولكن الآن، وبعد مرور ثلاث سنوات، تسيطر روسيا على نحو 19% فقط من أراضي أوكرانيا. علاوة على ذلك، سيطرت أوكرانيا ذاتها على أراض في منطقة كورسك في روسيا.

في حين تهدد الرهانات وجود أوكرانيا، فإنها أيضا بالغة الارتفاع بالنسبة لبقية أوروبا. فإذا لم يكتف رئيس أميركي برفض الاعتراف بعمل عدواني وقح، بل أقدم أيضا على إجبار الضحية على الخضوع، فإن قدرا كبيرا من كل ما يمثله حلف شمال الأطلسي (الناتو) بات معرضا لخطر التبخر في الهواء. فهل تهب الولايات المتحدة للدفاع عن دول البلطيق أو غيرها من أعضاء الناتو المعرضين للخطر؟

المخاطر لا تخص أوروبا وحدها. فماذا قد يحدث لضمانات الناتو الأمنية وتحالفاته في آسيا وأماكن أخرى؟ إذا كانت الولايات المتحدة غير راغبة في الدفاع عن أوكرانيا، فهل تدافع حقا عن تايوان؟

إننا مقبلون على أيام عصيبة. الآن بات لزاما علينا أن نتعامل مع مصدر جديد وقوي لانعدام الاستقرار العالمي ــ الحكومة الأميركية.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *