إكسبريس تيفي– نجيبة جلال
وسائل الإعلام لا تقرر أبدا طريقة تفكير الأفراد ولكن حتما نجحت في توجيه المجتمعات نحو المواضيع ، و هذا طبعا يعني أن إستقلالية الإعلام و مسؤوليته ضرورية للتصدي للتبعية و الحفاظ على الهوية .
نشهد اليوم انسلاخا حقيقيا للإعلام عن واقع المجتمع المغربي و توجها لأعراف و تقاليد و معايير لم تكن يوما تمثل هويتنا كمغاربة. بل وواقع الحال أن هوية الإعلام المغربي إنصهرت داخل قوالب إعلامية مصممة و مكتوبة من أجل مجتمعات أخرى لها تاريخها و طبيعتها، محددات لا تمثل المواطن المغربي و لا تعترف حتى بخصوصيته… صحافتنا اليوم و إعلامنا لا يمثل معاييرنا و لا تقافثنا و ها نحن صرنا نسبح في بحر أفكار و مواضيع تبنيناها و هي لا تشبهنا!
فهل القارئ أو المتتبع المغربي محمي إعلاميا ؟
إشكالية الأمن الإعلامي لم تطرح إلى اليوم من قبل المجلس الوطني للصحافة، و لا من قبل النقابات و لم تستطع أي من الهيآت المهنية إلى اليوم الحديث بشجاعة عن هذا الأمر لسبب بسيط، هو أن الصحفي الذي يطالب بإستقلاليته إحتفظ بالعقلية التي كانت تسود داخل الأوساط الصحفية في فترة الإستعمار… حينها كان التنسيق مع المستعمر خيانة و الصحفي النزيه صحفي وطني لا يهاب الحديث عن تجاوزات المستعمر و لا عن المطالبة برحيله…اليوم المغرب بلد سيادي و مسؤولوه مغاربة، و لا مجال للإحتفاظ بعقلية تعرقل علاقة الصحفي و الإعلامي ببني جلدته!
إرتبط تاريخ الصحافة بتاريخ الأحزاب داخل المغرب، حيث كان هدف الصحافة حينها هو توعية المواطن المغربي وتحذيره من مخاطر الإستعمار عن طريق الصحف و التي طبعا إتسمت بالسرية أنذاك! و لم يكن دور الصحافة سوى تنوير الرأي العام الوطني وكشف مؤامرات المستعمر الفرنسي والإسباني و تحقيق التواصل بين حاملي مشعل المطالبين بالإستقلال ومختلف طبقات الشعب.
طبعا، مرت الصحافة المغربية بعدة مراحل، نضال من أجل توسيع رقعة التعبير، تدافع من أجل المساواة و تنوع الأصوات… و لكن في كل المراحل، إحتفظ الإعلام على دوره في خدمة المجتمع و الحفاظ على الأمن وليس العكس… مسؤولية تحملها كبار الصحفيين و قيدومي الصحافة في هذا البلد ثم وصلنا اليوم إلى مرحلة أصبحت فيها مسؤولية الإعلام محصورة في توجهات و مصالح فردية.
نشهد اليوم مرحلة تفقد فيها الصحافة المغربية هويتها و تنسى تماما مسؤوليتها التاريخية في مراعاة الأبعاد الأمنية في كل مخرجاتها.
إعلامنا صار يستنبط خطابه من خطاب إعلام دولي لا يمثل المجتمع المغربي في شيئ… بل وصار يستقوي بإعلام خارجي ضد مؤسساتنا….أوليس كفاية أن مجتمعنا إعتنق إعلاما ثقافيا، لغويا و فنيا مستوردا بكل المعايير؟ و ها نحن اليوم نحقق أهداف المجتمعات القوية بإقبار خصوصيتنا…
أخطر تبعية يدعمها اليوم إعلامنا هو إستعماله من طرف من يدعون الدفاع عن الحقوق و محاربة الفساد… في تنكر تام للآليات الدستورية، و كأننا نحتاج “تهديد” المؤسسات لكي تقوم بدورها !
فكم هو مؤسف حال جنبات المحاكم التي صار الإعلام يصدر الأحكام فيها قبل حتى أن ينطق القاضي بذلك، و كم مؤسف حال جمعياتنا التي صارت تتجه للإعلام عوض الإتجاه نحو المحاكم …. و كم مؤسف إستغلال الإعلام لتصفية حسابات شخصية مع مسؤولين …..
إن الإعلام بكل هذا يحقق أهداف الجهات المعادية للوطن، لأنه و ببساطة لا أحد اليوم يدرك مفهوم الأمن الإعلامي. مسؤولية لا تتحملها وسائل الإعلام لوحدها بقدر ما تتحملها الهيآت المنظمة و المؤسسة التشريعية و حتى المؤسسة الأمنية جزء لا يتجزأ منها.
إعلامنا و صحافتنا اليوم في حاجة إلى أن ترقى إلى المستوى المطلوب في مرحلة مهمة في تاريخ المغرب و في خضم التحولات التي يعيشها العالم، فحرية النشر غير مفتوحة بشكل مطلق لأنها تبقى دائما مقيدة بمسؤولية الحفاظ على أمن المجتمع. و مرفوض نشر كل ما يضر بالتماسك المجتمعي و إستقراره أو ما قد يتسبب في إختراق حصونه من قبل الأعداء .
الأمن الإعلامي يحمي المجتمع من إختراقات العدو، و يؤمن القوى الحية الداخلية من كل العابثين. فقد صار من الضروري السهر على تكوين الصحافيين و الإعلاميين حول مفهوم الأمن الإعلامي و خلق آلية مراقبة مستمرة لما ينشر في وسائل الإعلام من أجل إيقاف تورط وسائل الإعلام من التسبب في الخلل الامني بإرباك المواطنين و زعزعة الإستقرار المجتمعي.