هوس الهجرة السرية بين وهم الحلم الأوروبي وحقائق الواقع المرير

هوس الهجرة السرية بين وهم الحلم الأوروبي وحقائق الواقع المرير

- ‎فيشن طن, رأي, واجهة
الهجرة غير الشرعية
إكسبريس تيفي

نجيبة جلال

بعد محاولة الهجرة الجماعية التي شهدتها مدينة الفنيدق في 15 شتنبر 2024، والتي كانت بقيادة جهات تسعى لخلق الفوضى وزعزعة استقرار الوطن، تركز النقاش العام حول تفاصيل تلك الواقعة. ومع ذلك، قلة قليلة تطرقت إلى النقاش الأساسي حول هوس الشباب بالحلم الأوروبي وما يتصل به من تحديات اجتماعية واقتصادية متفاقمة. في ظل هذا الهوس المتزايد بالهجرة، الذي عززته وسائل التواصل الاجتماعي عبر نشر صور مثالية لحياة الخارج، تبرز تساؤلات مهمة: هل الهجرة هي الحل الأمثل؟ وهل فعلاً أرض أوروبا تمطر ذهبًا كما يظن البعض؟

ورغم أننا ندرك أن هناك شبابًا ما زالوا يغذون حلم الهجرة إلى أوروبا، فإن الحقيقة الواضحة هي أن سماء أوروبا لا تمطر ذهبًا أو فضة. لكن في هذا السياق، من المهم أن نلاحظ أن الواقعة التي حدثت في الفنيدق لا يمكن الاعتماد عليها كنموذج يعبر عن هذا الهوس، إذ أنها كانت في الأساس عملية منظمة تقف وراءها أيادٍ جزائرية، وساهمت في تضخيمها بعض الأصوات العدمية داخل المغرب. هذه العملية لم تكن تعبيرًا عفويًا عن رغبة الشباب في الهجرة، بل كانت جزءًا من محاولة لزعزعة استقرار البلاد وإثارة الفوضى.
ظاهرة الهوس بالهجرة إلى أوروبا ليست مقتصرة على المغرب وحده، بل هي ظاهرة منتشرة في جميع أنحاء منطقة المغرب العربي. ومع ذلك، بسبب قرب المغرب الجغرافي من أوروبا، فهو الأكثر تضررًا من هذه الظاهرة. يعيش العديد من الشباب تحت وهم أن أوروبا ستحقق لهم حياة أفضل بمجرد وصولهم إلى أراضيها، غير أن الواقع يختلف كثيرًا عما يُروج له. التحديات الحقيقية التي تواجه هؤلاء الشباب تبدأ بالمخاطر الكبيرة التي تترصد بهم في عرض البحر، مرورًا بالعقبات المرتبطة باللغة، وصولاً إلى سوق عملٍ محدود، وشهادات غير معترف بها. كل هذه العقبات قد تدفع البعض نحو مسارات غير قانونية أو غير أخلاقية، مثل تجارة المخدرات أو الاستغلال الجنسي.
ورغم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها الدولة، فإنه من الضروري أن يقوم الآباء والمجتمع ككل بتحذير الشباب من هذا الوهم الذي يعطل حياتهم ومسيرتهم التعليمية. كثير من الشباب الذين يتبنون فكرة الهجرة يتوقفون عن إكمال تعليمهم، ويكرسون كل طاقاتهم لتحقيق حلم الوصول إلى أوروبا، متناسين أن بناء المستقبل يبدأ بالتكوين والتعليم. مهما كانت التحديات داخل الوطن، فإن فرص تحقيق النجاح والاستقرار هنا أكبر وأفضل من الوحدة التي قد يعانون منها في الغربة.
لقد أظهرت واقعة الفنيدق ضرورة ملحة لتدخل المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية في تعزيز التوعية بخطورة الهجرة السرية. إذ رأينا، للأسف، كيف استغلت بعض الجهات تلك الأزمة للترويج لأجندات خبيثة، عبر بث مشاهد وأخبار مزيفة بهدف خلق احتقان داخلي وتأجيج الرأي العام ضد الدولة. من المؤسف أن نرى حتى بعض الصحافيين يساهمون في هذا التشويه، غير ملتزمين بأدنى معايير المهنية والأخلاق. ولعل ما يزيد الوضع تعقيدًا هو تناغم هذا الطرح مع وسائل الإعلام الجزائرية التي نشرت صورًا زائفة، في محاولة لتشويه صورة المغرب عالميًا.
اليوم، نحن بحاجة إلى تفعيل دور الأحزاب السياسية الوطنية في تأطير الشباب وتوعيتهم بمخاطر الهجرة غير الشرعية، مع وضع حلول موضوعية لمشاكلهم. من المؤسف أن نرى بعض الأطراف السياسية، التي كانت مسؤولة عن تدبير الشأن العام، تلجأ إلى خطاب تحريضي وتجاهل دورها في معالجة الأزمة. يجب أن ندرك جميعًا أن نشر صور أو مشاهد قد تؤثر سلبًا على نفوس الشباب سيزيد من تعقيد الوضع. بدلًا من ذلك، علينا أن نركز على النماذج الإيجابية وقصص النجاح التي تظهر الإمكانات الحقيقية للشباب المغربي.
إن التحديات الاقتصادية والاجتماعية ليست مبررًا للهروب، بل هي دعوة للتفكير والعمل من أجل تغيير الأوضاع وتحقيق الأفضل داخل الوطن. الفهم العميق للواقع الاقتصادي والاجتماعي هو الذي سيحفز الشباب على مواجهة تلك التحديات، وليس الهروب منها.
علينا كأفراد ومؤسسات أن نتحمل مسؤوليتنا في توجيه الشباب نحو الفرص المتاحة داخل الوطن، وتعزيز ثقتهم في قدراتهم على بناء مستقبل أفضل. يجب أن نكون قدوة لهم في العمل والتفكير، ونعمل على خلق بيئة تشجع على الابتكار وتطوير المهارات. الهجرة ليست السبيل الوحيد لتحقيق النجاح، فداخل الوطن توجد الفرص لمن يسعى بجد ويؤمن بإمكاناته.
ختامًا، علينا أن نعمل جميعًا على بناء مجتمع يحتضن طموحات الشباب ويقدم لهم الدعم اللازم لتحقيق أحلامهم بعيدًا عن المخاطر والمآسي التي قد تنتظرهم في مسارات الهجرة غير الشرعية.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *