نجيبة جلال
شهد المغرب في الآونة الأخيرة سلسلة من الأزمات التي كشفت عن ثغرات واضحة في السياسات العمومية والتدبير الحكومي، وفي هذا السياق، كانت الأجهزة الأمنية السد الأخير الذي يحمي استقرار البلاد من الانهيار. ومع ذلك، يظل التساؤل مطروحا: هل يمكن الاعتماد على الأمن وحده لمواجهة هذه التحديات؟
كارثة زلزال الحوز كانت إحدى أبرز الأزمات التي كشفت عن التهميش الكبير الذي يعاني منه سكان المناطق الجبلية. هذا الزلزال لم يكن مجرد اختبار لقدرة المغرب على التعامل مع الكوارث الطبيعية، بل فضح عمق التفاوت المجالي وغياب العدالة في توزيع فرص التنمية والخدمات الأساسية. السكان المهمشون في تلك المناطق عانوا من آثار الزلزال بشكل مضاعف نتيجة إهمال متراكم على مدى سنوات.
أما أحداث الفنيدق في 15 شتنبر، فقد سلطت الضوء على قضية إقصاء الشباب من التنمية. الاحتجاجات التي شهدتها المدينة كانت نتيجة إحساس الشباب بالتهميش والافتقار إلى فرص اقتصادية حقيقية. لولا التدخل الفعّال للأجهزة الأمنية، كان يمكن أن تتفاقم الأزمة وتتحول إلى أزمة دبلوماسية مع الشركاء الأوروبيين، خاصة في ظل حساسية الوضع المتعلق بقضية الصحراء المغربية.
فيضانات طاطا كانت بدورها مؤشرا واضحا على تفشي الغش والتسيب في مشاريع البنية التحتية، حيث تم تشييد الطرق والسدود بشكل لا يراعي معايير السلامة والجودة، مما عرض حياة المواطنين للخطر وكشف عن ضعف الرقابة والمحاسبة.
في ضوء هذه الأزمات، يتضح أن الاعتماد على الأمن وحده لا يمكن أن يكون الحل الأمثل. المسؤولية تقع على عاتق الفاعلين السياسيين، المنتخبين، والأحزاب لإعادة النظر في السياسات العمومية وجعلها أكثر شمولية وعدالة. هذه السياسات يجب أن تضمن التنمية للجميع وتخفف العبء عن الأجهزة الأمنية، التي لا يمكنها أن تبقى الحصن الوحيد في مواجهة أزمات تنموية مستمرة.
العديد من التجارب الدولية أثبتت أن الأجهزة الأمنية يمكن أن تلعب دورا مهما في احتواء الأزمات، لكنها ليست بديلا عن معالجة جذور المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. ففي تونس بعد ثورة 2011، رغم الجهود الأمنية الكبيرة في الحفاظ على النظام والاستقرار، استمرت التوترات في المناطق المهمشة نتيجة غياب إصلاحات اقتصادية عميقة. وفي مصر، ورغم دور الأجهزة الأمنية في استعادة الاستقرار بعد 2011، لم تتمكن من علاج الفقر والبطالة، ما جعل الأزمات الاجتماعية تتفاقم في المناطق المهمشة.
في فرنسا، أدت الاحتجاجات مثل حركة “السترات الصفراء” إلى الكشف عن الشعور بالتهميش وغياب العدالة الاجتماعية، ورغم دور الشرطة في السيطرة على الاحتجاجات، اضطرت الحكومة إلى تبني إصلاحات لمعالجة جذور المشاكل. أما في الولايات المتحدة، فقد كشفت الاحتجاجات بعد مقتل جورج فلويد عن الحاجة إلى إصلاحات شاملة للنظام الأمني والاقتصادي والاجتماعي، حيث تبين أن قضايا الفقر وعدم المساواة العرقية لا يمكن حلها بالتدخلات الأمنية وحدها.
تظهر هذه التجارب الدولية أن الأجهزة الأمنية قد تساهم في إدارة الأزمات واحتواء الفوضى، لكنها ليست الحل للقضايا الجذرية التي تخلق الأزمات. الحلول المستدامة تتطلب سياسات عمومية شاملة تشمل التنمية الاقتصادية، العدالة الاجتماعية، التعليم، والصحة، فلا يمكن للأمن أن يكون الحصن الوحيد في مواجهة تحديات ناتجة عن قصور السياسات الحكومية.