نجيبة جلال
تشكل التحالفات الطائفية وقودا رئيسيا للنزاعات المتصاعدة في الشرق الأوسط، حيث تتشابك الخلافات الدينية مع المصالح السياسية والإقليمية، مما يهدد الاستقرار الإقليمي. الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة ليست جديدة، لكن توظيف هذه الانقسامات من قبل القوى الإقليمية، مثل إيران، أدى إلى تفاقم الأزمات وتحويل الصراعات إلى حروب وجودية تغذيها تحالفات قائمة على الانتماءات الطائفية.
الحرب في سوريا، التي بدأت في 2011، تعد مثالا حيا على هذه الديناميكية. فقد تحولت المواجهة إلى حرب طائفية شاملة، حيث لعبت إيران وحليفها حزب الله اللبناني دورا محوريا في دعم نظام بشار الأسد، ما أضفى بعدا طائفيا على الصراع. جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، على سبيل المثال، عبرت مؤخرا عن “الفرح والسرور” بعد تداول أخبار عن “هلاك” حسن نصر الله، زعيم حزب الله، متهمة إياه بالتورط في دماء الشعب السوري بدعمه للنظام. هذا يعكس التوتر الطائفي الذي يؤججه تدخل إيران.
يتجاوز تأثير التحالفات الطائفية الصراع السوري ليشمل العراق واليمن. في العراق، تصاعد النفوذ الإيراني بعد الغزو الأمريكي في 2003، مما أدى إلى تهميش السنة وزيادة التوتر بين المكونات المجتمعية. وفي اليمن، يدعم النظام الإيراني حركة الحوثيين الشيعية ضد الحكومة المعترف بها، مما يزيد من تعقيد الوضع هناك ويطيل أمد الحرب.
وفيما يخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن إيران تروج لهذا النزاع كجزء من صراع أوسع بين السنة والشيعة، معززة خطابها الطائفي الذي يجعل من المواجهة جزءا من استراتيجيتها الإقليمية الكبرى. دعم إيران لحزب الله، الذي تأسس في الثمانينيات، يعكس كيف استغلت طهران هذا الحزب لتعزيز نفوذها في لبنان والمنطقة.
إيران، التي تعتبر من القوى المحورية الساعية لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، لا تقتصر محاولاتها على المنطقة فحسب. فهي تسعى أيضا لخلق نفس الفوضى في شمال إفريقيا، حيث تدعم جبهة البوليساريو والجزائر ضد المغرب. تسعى إيران، عبر علاقتها المتزايدة مع البوليساريو، إلى توسيع نفوذها في المنطقة وتقويض استقرار المغرب، حليف الغرب في شمال إفريقيا.
تستغل ايران التوترات الإقليمية بين الجزائر والمغرب، وتسعى وراء دعمها للبوليساريو اسقاط النظام المغربي لكي تجعل لنفسها موضع قدم في أكثر المواقع الأطلسية أهمية في شمال القارة السمراء، واستراتيجيتها لا تتوقف على تسليح المليشيات، بل ايضا دعم المد الشيعي في المغرب لكي ترسخ لثقافتها الدينية التي تستعملها لكسب ولاء الشعوب، تحاول طهران تكرار نماذج تدخلها الناجحة في دول أخرى، مستخدمة تحالفات مع قوى محلية للضغط على الأنظمة المناهضة لها.
وفي هذا السياق، سبق أن أدلى عمر هلال، السفير المغربي لدى الأمم المتحدة، بتصريحات قوية، محذرا من خطورة ما تقوم به إيران تجاه استقرار المغرب. و سبق أن أكد هلال أن إيران لا تكتفي فقط بتقديم الدعم العسكري للبوليساريو، بل تسعى أيضا لتوسيع نفوذها الإيديولوجي في شمال إفريقيا عبر خلق بؤر توتر جديدة.
في ظل تزايد الأدلة حول هذه التدخلات الإيرانية في المنطقة، يصبح من الصعب تبرير استمرار تجاهل شخصيات مثل أحمد ويحمان وعزيز غالي لهذه المعطيات. فتصريحات عمر هلال وناصر بوريطة تشير بوضوح إلى خطورة هذا الدعم وتأثيره على استقرار المغرب وأمنه الوطني.
إن استمرار بعض الأصوات في تجاهل أو التقليل من شأن هذه التهديدات قد يكون نتيجة لمواقف أيديولوجية أو انحيازات معينة، ولكن مع تصاعد الأدلة حول تدخلات إيران في المنطقة، يصبح من الضروري تبني مواقف واضحة وواقعية تعلي مصلحة الوطن واستقراره فوق أي اعتبارات أخرى.
التحدي الذي يواجه المغرب ليس فقط في التصدي للتدخلات الخارجية، بل أيضا في مواجهة الأصوات الداخلية التي ترفض الاعتراف بحجم هذا التهديد، مما يضعف الجبهة الداخلية ويزيد من تعقيد الوضع.