المغرب يواجه بحزم تدخلات محكمة العدل الأوروبية في قضيته الوطنية

المغرب يواجه بحزم تدخلات محكمة العدل الأوروبية في قضيته الوطنية

- ‎فيشن طن, رأي, واجهة
0
sahara
إكسبريس تيفي

نجيبة جلال 

رغم التأييد الدولي لمغربية الصحراء خصوصا من قبل الدول الأوربية الكبرى وذات التأثير القوي في الاتحاد الأوروبي، إلا أن قرارات محكمة العدل الأوروبية ما تزال تصدر أحكاما خارج السياق الزمني والسياسي فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، فقرار المحكمة بشأن اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، شكل صدمة للكثير من الدول كإسبانيا التي دافعت عن الاتفاقية وعن المغرب الذي تعتبره شريك استراتيجي لا بديل عنه في المنطقة. هذا القرار، الذي يشوبه العديد من العيوب القانونية والأخطاء الواقعية، يكشف عن خلل عميق في فهم الديناميكيات الإقليمية المعقدة وتجاهل صارخ للجهود الدبلوماسية المتواصلة لحل قضية الصحراء المغربية.

يجدر التأكيد بداية على حقيقة جوهرية، هي أن المغرب ليس طرفا في هذه القضية القانونية وهذا ما عبرت عنه الخارجية المغربية. فالنزاع يخص الاتحاد الأوروبي من جهة، و”البوليساريو” المدعومة من الجزائر من جهة أخرى. هذا الواقع يضع علامة استفهام كبيرة حول شرعية وصلاحية قرار يمس بشكل مباشر مصالح دولة ذات سيادة لم تكن طرفا في الإجراءات القانونية. إن موقف المغرب الثابت بعدم الالتزام بأي اتفاق أو وثيقة قانونية لا تحترم وحدته الترابية يعكس حكمة سياسية وإصرارا على حماية المصالح الوطنية العليا.

إن محاولة محكمة العدل الأوروبية التدخل في نزاع إقليمي يقع ضمن اختصاص مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تمثل تجاوزا خطيرا لصلاحياتها وتدخلا سافرا في مسار دبلوماسي معقد. فقضية الصحراء، بطبيعتها السياسية والإقليمية، تتطلب حلا سياسيا واقعيا وعمليا وتوافقيا، وليس أحكاما قضائية منفصلة عن السياق التاريخي والجيوسياسي للمنطقة. هذا التدخل لا يفشل فقط في دعم تسوية النزاع، بل يهدد بتقويض جهود عقود من الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

من الجدير بالذكر أن “البوليساريو” لا تتمتع بأي اعتراف دولي كممثل شرعي لسكان الصحراء. فهذه المليشيات الانفصالية تفتقر إلى أي صفة قانونية أو شرعية ديمقراطية تخولها التحدث باسم سكان الأقاليم الجنوبية. في المقابل، يتمتع سكان هذه المناطق بتمثيل ديمقراطي حقيقي من خلال ممثليهم المنتخبين في الانتخابات الوطنية والجهوية والمحلية. إن تجاهل هذه الحقيقة الديمقراطية يعد انتهاكا صارخا لحقوق السكان المحليين وتجاهلا لإرادتهم الحرة.

إن الحكم ببطلان الاتفاقيتين يعد تفسيرا قانونيا خاطئا وغير منطقي. فالأثر الوحيد لهذا القرار هو حرمان سكان المنطقة من المزايا الاقتصادية والتنموية التي توفرها هذه الاتفاقيات. هذا يتناقض بشكل صارخ مع مبادئ التنمية المستدامة والتعاون الاقتصادي التي يدعي الاتحاد الأوروبي السعي لتحقيقها. إن هذا القرار لا يخدم سوى الأجندات السياسية الضيقة على حساب رفاهية وتطلعات السكان المحليين.

يظهر هذا الحكم تناقضا صارخا مع مواقف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومؤسساته الرئيسية – المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي – التي وافقت على شروط الاتفاقيتين بأغلبية واسعة وبالإجماع. هذا التناقض يثير تساؤلات جدية حول مدى اتساق السياسات الأوروبية وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها الدولية. إنه يقوض مصداقية الاتحاد الأوروبي كشريك موثوق ويهدد بتقويض العلاقات الاستراتيجية مع دول الجوار.

من المهم التأكيد على الأهمية الاقتصادية الكبيرة لهذه الاتفاقيات. فالمبادلات التجارية الفلاحية وقطاع الصيد البحري تمثل 17% من إجمالي المبادلات التجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، بقيمة إجمالية تبلغ 55 مليون يورو. هذه الصادرات لا تشكل فقط مصدرا حيويا للعملة الصعبة، بل هي أيضا مورد رزق أساسي لعشرات الآلاف من المغاربة. إن تعريض هذه المكاسب الاقتصادية للخطر يمثل ضربة قاسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة.

في ضوء هذه التطورات، يؤكد المغرب بكل حزم ووضوح عزمه على اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للدفاع عن مصالحه وصون حقوقه. إن هذا الموقف الحازم لا ينبع من رد فعل انفعالي، بل هو نتيجة لرؤية استراتيجية عميقة تهدف إلى الحفاظ على السيادة الوطنية وحماية المصالح الحيوية للمملكة وشعبها. في الوقت نفسه، يبقى المغرب منفتحًا على مواصلة التعاون الاستراتيجي مع شركائه الحقيقيين والموثوقين على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية.

إن هذا القرار المثير للجدل يضع الاتحاد الأوروبي أمام مفترق طرق حاسم. فالمطلوب الآن هو توضيح سريع للموقف الأوروبي ورسم خارطة طريق واقعية لمستقبل العلاقات مع المغرب. إن الحفاظ على الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين يتطلب احتراما متبادلا للسيادة الوطنية والمصالح المشتركة، بعيدا عن التدخلات القضائية غير المدروسة والتفسيرات القانونية المتحيزة. يبقى المغرب، كما كان دائما، مستعدا للحوار البناء والتعاون المثمر، ولكن على أساس الاحترام الكامل لوحدته الترابية وسيادته الوطنية.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *