قرار المحكمة الأوروبية: المغرب أقل تضررا وأفق واسع لعلاقات خارج الاتحاد الأوروبي

قرار المحكمة الأوروبية: المغرب أقل تضررا وأفق واسع لعلاقات خارج الاتحاد الأوروبي

- ‎فيشن طن, دولي, رأي, واجهة
المغرب الاتحاد الأوروبي
إكسبريس تيفي

نجيبة جلال

في أعقاب إلغاء المحكمة الأوروبية لاتفاقية الصيد البحري مع المغرب، تتضح تداعيات هذا القرار بشكل بارز على العديد من الأطراف الأوروبية، وخاصة الدول التي تعتمد بشكل أساسي على الثروات البحرية المغربية. ومع ذلك، فإن تأثير هذا القرار على المغرب قد يكون أقل مما يُتوقع، بفضل موقعه الاستراتيجي وتاريخه العريق في قطاع الصيد البحري، إلى جانب قدرته على توسيع علاقاته التجارية مع دول خارج نطاق الاتحاد الأوروبي.

يمتاز المغرب بموقعه الجغرافي الفريد على ضفاف البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، حيث تمتد سواحل المملكة لأكثر من 3400 كيلومتر، مما يجعلها من بين أغنى الدول في العالم من حيث الثروات البحرية. وتعتبر المياه المغربية، بفضل تأثير التيار البارد لجزر الكناري، موطنًا مثاليًا للعديد من الأنواع السمكية، وأبرزها السردين. ويُعد المغرب اليوم أكبر منتج للسردين عالميًا، بالإضافة إلى احتلاله المرتبة الأولى في إنتاج الأسماك على المستوى الإفريقي.
تاريخيًا، كانت مهنة الصيد البحري جزءًا أساسيًا من حياة السكان المحليين منذ العصور القديمة، حيث مارس الأمازيغ هذه الحرفة على طول سواحل المملكة. عبر العصور، تطورت هذه الصناعة لتصبح إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد المغربي. خلال القرن العشرين، وخاصة في فترة الحماية الفرنسية، شهد قطاع الصيد تنظيمًا شاملاً وتطويرًا للبنية التحتية للموانئ المغربية، مما ساهم في تعزيز قدرات البلاد على التصدير.
اليوم، يُعد المغرب من أهم المنتجين البحريين في العالم، ولم يعد محصورًا في علاقاته التجارية مع الاتحاد الأوروبي فحسب. فقد وسعت المملكة على مر السنوات من شبكاتها التجارية لتشمل أسواقًا جديدة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، مما يعزز قدرتها على التكيف مع الظروف المستجدة. وعلاوة على ذلك، فإن التوجه المغربي نحو تنويع شركائه التجاريين والاستثمار في قطاعات جديدة، مثل تربية الأحياء المائية (الأكوابونيك)، يمنحه القدرة على تخفيف آثار هذا القرار على اقتصاده.
يُسهم قطاع الصيد بشكل كبير في الاقتصاد المغربي، حيث تصل مساهمته إلى 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي، ويُوفر أكثر من 700 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة. وبالتالي، فإن المغرب اليوم يمتلك القدرة على تجاوز الصعوبات الناجمة عن إلغاء الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي. وقد نجح في توسيع علاقاته التجارية لتشمل أسواقًا جديدة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، مما يقلل من اعتماده على السوق الأوروبية.
في الوقت الذي تواجه فيه الدول الأوروبية، مثل إسبانيا والبرتغال، صعوبات نتيجة لفقدان الوصول إلى المياه المغربية الغنية بالثروة السمكية، يظل المغرب أكثر مرونة وقدرة على تجاوز هذه التحديات. ويبقى بإمكان المملكة الاستفادة من مواردها الطبيعية الهائلة وتاريخها الطويل في الصيد البحري لتعزيز شراكات جديدة وتحقيق نمو مستدام في هذا القطاع الحيوي.
إن هذا القرار أيضًا يلقي بظلاله على العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، إلا أن المغرب، بفضل موقعه الاستراتيجي وموارده الغنية، يبقى قادرًا على بناء جسور جديدة مع شركاء دوليين آخرين، مع الحفاظ على مصالحه الحيوية.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *