الدولة بين الخيار الديمقراطي وحماية المصلحة العامة 

الدولة بين الخيار الديمقراطي وحماية المصلحة العامة 

- ‎فيشن طن, واجهة
نجيبة جلال
إكسبريس تيفي

بقلم نجيبة جلال

لا شك أن التعددية السياسية تعد من الأسس الراسخة للديمقراطية، غير أن التجربة المغربية تطرح تساؤلات عميقة حول مدى فعالية هذا التعدد. إذا قارنا مشهد الأحزاب السياسية في المغرب بنظيره في الديمقراطيات العريقة كالولايات المتحدة أو بريطانيا، نجد أن تلك الدول تعتمد على عدد محدود من الأحزاب القوية، التي تعكس التنوع المجتمعي الحقيقي، فيما يشهد المغرب انتشارًا واسعًا للأحزاب، وكأن الفاعلين السياسيين قد فهموا الديمقراطية على أنها مجرد تكثير للأحزاب والجمعيات والنقابات، دون أن يكون هناك اعتبار لجودة هذه المؤسسات أو لأدوارها الفعلية في تطوير الحياة السياسية.

إن هذا “الإفراط” في تأسيس الأحزاب لا يعكس بالضرورة تعددية سياسية صحية، بل قد يعبر عن غياب رؤية مشتركة ومتماسكة تجاه التنمية والديمقراطية. بل إن كثرة الأحزاب تصعّب على المواطن التمييز بين البرامج السياسية، وتساهم في تشتت الأصوات وتفتيت التمثيل، مما يضعف من قدرة هذه الأحزاب على إحداث تغيير حقيقي في المجتمع.

التجارب الديمقراطية الناجحة لا تقاس بعدد الأحزاب والجمعيات، وإنما بجودة التمثيل السياسي ومدى قدرة الأحزاب على التفاعل مع تطلعات المواطنين والسعي لتحقيق المصلحة العامة. ففي الدول كأمريكا وبريطانيا، يعتمد النظام الحزبي على مؤسسات سياسية قوية، تهدف إلى صياغة سياسات تنموية بعيدة المدى تخدم صالح الشعب. تلك الدول لم تسع إلى تكثير الأحزاب، بل ركزت على بناء مؤسسات تعكس التوازن بين التنوع السياسي والاستقرار المؤسسي.

في المغرب، يبقى التساؤل مطروحًا: هل يعبر هذا الكم من الأحزاب عن حيوية سياسية حقيقية، أم أنه مجرد تعدد شكلي يخدم مصالح ضيقة لبعض الفاعلين السياسيين؟ يبدو أن البعض قد فهم الديمقراطية على أنها حرية تكثير الأحزاب دونما اعتبار لجودة أدائها أو دورها في تحقيق التنمية.

في هذا السياق، يطرح سؤال أساسي نفسه: هل يجوز للدولة أن تتراجع عن خيار ديمقراطي إذا ما تبين أن تطبيقه في ظل الظروف الراهنة لا يحقق الأهداف المرجوة؟ إن الحكمة السياسية تقتضي أحيانًا مراجعة بعض الخيارات الديمقراطية التي قد تؤدي إلى نتائج غير محسوبة، وربما تشكل تهديدًا للاستقرار السياسي والاجتماعي. فالتراجع في مثل هذه الحالات ليس خرقًا لمبادئ الديمقراطية، بل قد يكون قرارًا عقلانيًا يهدف إلى الحفاظ على استمرارية الدولة ومؤسساتها، وهو ما يثير مسألة الشجاعة السياسية لدى صناع القرار.

هنا يمكن أن نفهم مغزى مقولة مصطفى الرميد: “المخزن نعمة”. تاريخيًا، لعب المخزن دورًا محوريًا في الحفاظ على التوازن والاستقرار في المشهد السياسي المغربي، حيث كان يتدخل لضبط الأمور حينما تخرج عن السيطرة أو تتعارض مع المصلحة الوطنية. ورغم الانتقادات التي قد توجه لهذا التدخل، يراه البعض ضروريًا لضمان استمرارية الدولة وحماية مؤسساتها من الفوضى.

في ظل هذا الطرح، يصبح مفهومًا لماذا تعتبر الملكية في المغرب الضامن الأكبر للاستقرار، حيث تمثل الملكية العنصر الثابت الذي يحمي البلاد من الانزلاقات التي قد تحدث نتيجة تشتت الأحزاب أو تضارب المصالح الضيقة التي يلاحقها بعض الفاعلين السياسيين. ومن هنا يتضح كيف يُفهم تصريح الرميد بأن “المخزن نعمة”، باعتباره تعبيرًا عن الدور الذي تلعبه الدولة في الحفاظ على التوازن والاستقرار.

في النهاية، التحدي الذي يواجه المغرب اليوم لا يكمن في تكثير عدد الأحزاب، بل في تحسين جودة هذه المؤسسات السياسية، وإعادة توجيهها نحو خدمة المصلحة العامة، بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة التي تعرقل التنمية وتشتت الجهود الوطنية.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *