في أحد أحياء رفح المدمرة، وتحديداً في حي السلطان، سقط يحيى السنوار، قائد حركة حماس في غزة، في لحظاته الأخيرة وهو يرتدي بدلته العسكرية، يقاتل بشراسة ضد قوات الجيش الإسرائيلي. كان السنوار طوال الحرب هدفاً رئيسياً لإسرائيل، وأخيراً، جاء إعلان مقتله عبر إذاعة الجيش الإسرائيلي التي أكدت أنه لم يكن اغتيالاً بل اشتباكاً مباشراً في الميدان، حيث قاوم حتى النفس الأخير.
ولكن ما جعل مقتله أكثر درامية، كان الكشف عن هويته بعد وفاته بطريقة غير متوقعة. القناة 12 الإسرائيلية أعلنت عن “تطابق كامل” لهوية السنوار عبر تحليل أسنانه، وهو ما يعيدنا إلى حادثة مؤثرة من ماضيه، عندما كان أسيراً في السجون الإسرائيلية.
في تلك الفترة، كان يحيى السنوار يعاني من مرض دماغي خطير كاد يودي بحياته، لولا تدخل طبيب أسنان إسرائيلي يُدعى يوفال بيتون. استُدعي بيتون لإجراء استشارة طبية طارئة بعدما عجز أطباء السجن عن تحديد العلاج المناسب. العملية الجراحية التي أُجريت للسنوار أنقذت حياته، وهنا بدأت علاقة غير تقليدية بين الطبيب الإسرائيلي والأسير الفلسطيني. قضى بيتون، الذي تحول لاحقاً إلى ضابط استخبارات في مصلحة السجون، مئات الساعات مع السنوار، يتحدث معه ويحاول فهم شخصيته. وفي لحظة امتنان نادرة، شكر السنوار الطبيب على إنقاذ حياته، وشرح له ما يعنيه هذا الفعل في الإسلام. كانت تلك العلاقة الغريبة رمزاً لعوالم متناقضة تتقاطع أحياناً بطرق غير متوقعة.
مقتل السنوار لم يكن حدثاً عادياً بالنسبة لإيران، الداعم الأساسي لحماس. في طهران، صور الإعلام الرسمي مقتله على أنه “استشهاد”، وأشاد بمسيرته القتالية. إيران، التي لطالما دعمت حماس بالمال والتدريب والسلاح، رأت في السنوار رمزاً للصمود ضد إسرائيل، وتحديداً لدوره في التخطيط لهجمات السابع من أكتوبر، التي وصفتها إيران بأنها “انتصار كبير”. ورغم ذلك، فإن الصدمة لم تكن بحجم اغتيالات أخرى طالت شخصيات حليفة لإيران، مثل إسماعيل هنية أو حسن نصر الله.
التحليلات في طهران تشير إلى أن غياب السنوار قد يُحدث فراغاً في القيادة الميدانية لحماس، لكنه لن يُغيّر من طبيعة العلاقة الاستراتيجية بين الطرفين. رضا صالحي، المحلل الإيراني البارز، أكد أن مقتل السنوار لن يدفع إيران للرد بشكل مباشر، لكنه سيعزز دعمها لحماس في مواجهة إسرائيل. وأضاف أن الهجمات الإسرائيلية المستمرة على حلفاء إيران دفعت طهران إلى مراجعة استراتيجياتها الدفاعية والهجومية، وباتت أكثر استعداداً للمخاطرة، رغم حرصها على تجنب حرب شاملة مع إسرائيل في الوقت الحالي.
في النهاية، كان مقتل السنوار لحظة مؤلمة لحماس ومؤيديها، ولكنه أيضاً محطة مهمة في الصراع المستمر بين إيران وإسرائيل. وفي حين أن غياب السنوار يمثل ضربة موجعة للحركة، فإن قادة إيران يرون فيه رمزاً للشهادة والصمود، مؤكدين أن “المقاومة لا تموت بموت قادتها”.