العلاقات المغربية ـ الإيرانية مرآة الصراع بين محورين إقليميين مختلفين في رؤيتهما للعالم

العلاقات المغربية ـ الإيرانية مرآة الصراع بين محورين إقليميين مختلفين في رؤيتهما للعالم

- ‎فيشن طن, مجتمع, واجهة
المغرب ايران
إكسبريس تيفي
بقلم نجيبة جلال

في ظل كثرة المقالات التحليلية التي تتناول العلاقات المغربية الإيرانية، خاصة بعد إدخال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في المعادلة، يبدو أن فهم العلاقة بين البلدين يتطلب النظر إلى خلفيات تاريخية أكثر تعقيدًا. إذ لا يمكن اختزال هذه العلاقات في مجرد كونها نقطة نزاع بين مؤيدين ومعارضين للتطبيع مع إسرائيل، بل تجر هذه العلاقة في طياتها أبعادًا تاريخية وسياسية أعمق.

منذ عقود، اتسمت العلاقات بين المغرب وإيران بتباين في الرؤى والمواقف، وهو ما يشير إلى عدم وجود عداء شخصي أو صراع مباشر بينهما. فالأمر في جوهره يتعلق بالاختلاف في المصالح الاستراتيجية والتوجهات الدبلوماسية لكل دولة حيال القضايا الإقليمية والدولية. لم يكن الخلاف بين البلدين ناتجًا عن عداوة بقدر ما هو نتيجة تصورات متباينة حول القضايا التي تشكل مصالح كل طرف.

بدأت العلاقات بين المغرب وإيران بشكل إيجابي في عهد الشاه، حيث شهدت توافقًا ودعمًا متبادلًا. لكن مع سقوط النظام الملكي في إيران واندلاع الثورة الإسلامية، تغيرت الديناميات بشكل جذري. تبنت إيران، بقيادة الإمام الخميني، سياسة تصدير الثورة، ما اعتبره المغرب تهديدًا لاستقراره الإقليمي. وعندما منح الملك الحسن الثاني اللجوء للشاه المخلوع، بدأت العلاقات تأخذ منحىً أكثر توترًا، وليس بسبب عداء شخصي، بل نتيجة لمصالح المغرب التي اقتضت الابتعاد عن النظام الإيراني الجديد.

أحد أبرز نقاط الخلاف بين البلدين كان قضية الصحراء الغربية، إذ اعترفت إيران منذ عام 1981 بالجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية التي أُنشئت من قبل جبهة البوليساريو. كان هذا الموقف الإيراني الثابت نتيجة لتحالفات استراتيجية أوسع مع الجزائر ومعسكر دعم حركات التحرر، وهو ما يتعارض مباشرة مع مصالح المغرب الحيوية في الحفاظ على سيادته ووحدته الترابية.

على الرغم من التغيرات الجيوسياسية والتحولات الحكومية، بقيت العلاقة بين المغرب وإيران متأثرة بالاختلاف العميق في المصالح. في كل مرة حاولت فيها الأطراف إعادة بناء جسور التواصل، كانت تواجه توترات جديدة، مثل الدعم الإيراني المزعوم للبوليساريو عبر حزب الله، ما أدى إلى قطع العلاقات في عام 2018.

ما يميز هذه العلاقة هو أنها ليست مجرد خلافات ثنائية حول قضايا إقليمية، بل تعكس صراعًا أعمق بين محورين إقليميين مختلفين في رؤيتهما للعالم. بينما اختار المغرب التحالف مع الغرب وفتح صفحة جديدة مع إسرائيل، تسعى إيران إلى تعزيز نفوذها الإقليمي في مواجهة هذه التحالفات، مستخدمة دعمها لجماعات مثل حزب الله ومحاولاتها لكسب مزيد من النفوذ في إفريقيا.

بالتالي، ما يحكم العلاقات المغربية الإيرانية ليس عداءً مبدئيًا أو صراعًا أيديولوجيًا، بل هو اختلاف في المصالح الاستراتيجية والسياسية. وكما هو الحال في معظم العلاقات الدولية، فإن هذه المصالح تحدد مسار التحالفات والخصومات، مما يجعل التباين بين الرباط وطهران مرشحًا للاستمرار طالما ظلت الرؤى والمصالح متناقضة.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *