بقلم نجيبة جلال
الصحافة المغربية تعيش لحظة دقيقة، تحدد مستقبلها ومسارها بين اختيار مثالية التنظيم الذاتي وواقع الحاجة إلى تدخل رسمي لضمان توازنها. تتزايد التحديات بشكلٍ لافت اليوم، في ظل تصاعد خطاب شعبوي يُستغل عبر المنصات الرقمية لزعزعة ثقة الناس بمؤسسات الدولة، ويجد من يعززه داخل القطاع الإعلامي نفسه. وفي ظل مشهدٍ كهذا، يظهر نموذج حميد المهداوي كشخصية تستغل الحضور الرقمي لجذب شريحة واسعة من المتابعين، من خلال تحويل العمل الإعلامي إلى ساحة استعراض درامي يخدم الأجندات التي تسعى لتشويه صورة المؤسسات الوطنية.
يعتمد المهداوي في عمله كيوتيوبر على نمط خطابٍ شديد التأثير العاطفي؛ يصوّر فيه نفسه كمدافع عن صوت الشعب، فيما يحوّل أي قضية إلى “معركة” ضد خصوم متخيلين أو واقعين، يستخدم خلالها لغة بسيطة تسهل عليه استقطاب الناس، لكنها تفتقر إلى الموضوعية والمسؤولية التي يجب أن تتحلى بها الصحافة. هذا النوع من الخطاب الذي يتبناه ليس مجرد توجيه للناس، بل هو تحريض ضد المؤسسات.
التحدي لا يأتي فقط من أمثال المهداوي، بل من نمط تعامل المؤسسات القائمة على القطاع مع التحولات الرقمية؛ إذ لم تُستوعب بعد إمكانات الإعلام الرقمي الحديث في المغرب بالشكل الكامل. فبدلاً من احتضان هذا الفضاء المتجدد، نجد أن هناك من يحاولون تكييفه ضمن قوالب تقليدية، دون النظر بجدية إلى دوره المؤثر عالمياً.
في ظل هذا الواقع، تطرح فكرة إعادة انتخاب أعضاء المجلس الوطني للصحافة كحلّ يتطلع إلى المثالية، يُعنى بدعم الاستقلالية وحماية المهنة، بعيداً عن التدخلات الرسمية المباشرة. لكن عند مواجهة الخطاب الشعبوي المتصاعد، تبرز تساؤلات حول مدى فعالية هذا النموذج. هل يستطيع تنظيم ذاتي في الوقت الحالي، في ظل هذا السيل من الخطابات الشعبوية، أن يحافظ على نزاهة القطاع ويحميه؟ بل و يؤهله ليرقى الى القيام بدوره في حماية الأمن القومي؟
من ناحية أخرى، قد تكون عودة وزارة الاتصال للإشراف على القطاع وسيلة لتوفير حمايةٍ أكثر وضوحاً وصرامة، خاصةً في بيئة رقمية متسارعة التطور تستغلها شخصيات وجماعات للتأثير السلبي ونشر معلومات مشكوك في مصداقيتها بل و غالبا خطيرة تهدد المصالح العليا لهذا الوطن ! إن وجود إشراف رسمي قادر على ضبط هذا المشهد قد يكون ضرورياً في الوقت الراهن، لحماية الصحافة والصحفيين أنفسهم من التحديات التي يفرضها عالم الإعلام الرقمي.