نجيبة جلال
في عمق التحولات العالمية الراهنة، تتكشّف ملامح نظامٍ دولي جديد، حيث تتنافس مجموعتان من القوى الكبرى على صياغة مستقبله. فمنذ تأسيسها في عام 1975، بَنَت مجموعة الدول الصناعية السبع (G7) هيكلها على أساس تحالف اقتصادي وسياسي يضم الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا، فرنسا، المملكة المتحدة، إيطاليا، وكندا، مستندة إلى قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومعززة للنموذج الرأسمالي. عبر عقود، لعبت مجموعة السبع دوراً محورياً في توجيه دفة الاقتصاد العالمي، ومثلت مركز الثقل المالي من خلال مؤسسات كبرى مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، متوخية المحافظة على النظام العالمي القائم على هيمنة الغرب.
لكنّ هذا الصرح المتين يواجه اليوم تحديات وجودية. فالتحولات الديموغرافية، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وتنامي القوى الناشئة، كلّها عوامل بدأت تؤثر في المكانة التقليدية للدول السبع الكبرى. يرافق ذلك تراجع الثقة في هيمنة المؤسسات المالية الغربية، لتصبح مجموعة السبع أكثر عُرضةً لرياح التغيير.
في المقابل، تواصل مجموعة البريكس صعودها القوي، مُجسدةً تحدي الجنوب العالمي. ومع توسعها الأخير الذي شمل انضمام دول جديدة مثل إيران، الإمارات، ومصر، تتعمق جاذبيتها كبديل قادر على صياغة قواعد جديدة للنظام الدولي. فقد وُلدت البريكس من حاجةٍ مُلحة إلى العدالة الاقتصادية والتوازن السياسي، مستندةً إلى قوة أعضائها الديموغرافية والاقتصادية، وما يمثله هذا الاتحاد من طموح نحو عالمٍ أكثر تعددية. وبينما تسعى مجموعة السبع لتكريس أنظمة نقدية تحت مظلة الدولار الأمريكي، تعمل البريكس على تطوير آليات مالية جديدة تعتمد على العملات المحلية، مما يمثّل خطوةً جريئة نحو تقليل الاعتماد على النظام النقدي الغربي.
من حيث الرؤية، تتمسك مجموعة السبع برؤية غربية ترتكز على تعزيز الحقوق الفردية والديمقراطية، بينما تطرح البريكس رؤى أكثر توازناً تدعم سيادة الدول وتبتعد عن التدخل في شؤونها الداخلية، مقدمةً بذلك نموذجاً يجد فيه الجنوب العالمي صوتًا وقوة.
إنّ التنافس بين G7 والبريكس ليس صراعاً على الهيمنة بقدر ما هو انعكاس لتحولات أعمق في التوازنات العالمية. ولعلنا في نهايات هذا العقد سنشهد نظاماً دولياً جديداً، حيث تبرز البريكس كقوة تغيير حقيقية، تدفع بعالمٍ أكثر شمولية وعدلاً، يكون تمثيل الشعوب والدول فيه أكثر توازناً، وتتناغم فيه المصالح بعيداً عن الاستقطاب الأحادي.