أثار الفيديو الذي تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يقدمه مدير نشر وحقوقي ومحامي، دعوة لتوقيع عريضة موجهة إلى جلالة الملك نصره الله تطالب بإقالة السيد عبد اللطيف وهبي، الوزير الحالي للعدل، العديد من التساؤلات القانونية والدستورية التي لا يمكن تجاهلها. ورغم أن هذه العريضة تحمل في ظاهرها طابع المطالبة بالمساءلة، إلا أن إخراجها إلى العلن وطرحها للتوقيع يثير العديد من الإشكالات التي تحتاج إلى توضيح، ولا سيما في ما يتعلق بسندها القانوني ومرجعيتها.
للأسف، فإن تقديم هذه العريضة وعرضها للتوقيع يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول الأسس التي تقوم عليها، وحول الأسباب التي دفعت إلى إطلاقها، خصوصاً في ظل غياب أي مرجعية قانونية واضحة تدعم هذا التحرك. وكما هو معلوم، فإن العريضة وفقاً للقانون المغربي هي تلك التي تنظمها النصوص الدستورية والقوانين التنظيمية، وتحديداً الفصل 33 من الدستور، إلى جانب القوانين التنظيمية 21-71 و14-44 و14-64، التي تحدد بدقة شروط وآليات تقديم العرائض.
الملاحظة الأولى: تعارض الصفة مع الممارسة
في الندوة التي تم خلالها تقديم العريضة، تم الإعلان عن بعض الأسماء المرتبطة بمهن مختلفة مثل “مدير نشر، محامي، حقوقي، وناشط إعلامي”. هذا التقديم لا يخلو من لبس قانوني، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بإدراج “المحامي” ضمن الأعضاء المشاركين في تنظيم العريضة.
المادة الأولى من القانون 08-28، الذي يحدد مهام المحاماة، تنص بوضوح على أن المحاماة هي “مهنة حرة ومستقلة”، تهدف إلى مساعدة القضاء في تحقيق العدالة، وأن المحامي جزء لا يتجزأ من أسرة القضاء. ووفقاً لذلك، لا يمكن للمحامي أن يمارس مهنته في سياق تقديم عريضة سياسية أو شعبوية، لأن ذلك يتناقض مع طابع مهنته السامية التي تقتصر على تقديم الاستشارات القانونية والمرافعة أمام المحاكم، وليس على التحركات السياسية أو المطالبات الشعبية.
كما أن المادة 4 من نفس القانون تحدد بوضوح أن المحاميين يمارسون مهنتهم في إطار هيئات المحامين المعترف بها لدى محاكم الاستئناف. وبالتالي، فإن تواجد المحامي في هذا السياق يستدعي تساؤلات حول مشروعية دوره في تنظيم هذه العريضة، خاصة إذا كانت لم تحظ بتصديق أو ترخيص من هيئة المحامين.
الملاحظة الثانية: غياب السند القانوني
من الناحية الدستورية، فإن العريضة المطروحة تتجاوز التفسير السليم للنصوص القانونية المعمول بها. وفقاً للفصل 47 من الدستور المغربي، فإن إعفاء وزير من مهامه لا يتم إلا عبر آليتين حصريتين: إما بناءً على قرار من جلالة الملك بعد استشارة رئيس الحكومة، أو بناءً على طلب من رئيس الحكومة ذاته. لذلك، فإن محاولة المطالبة بإقالة وزير عبر عريضة موجهة للملك تفتقر إلى السند الدستوري، وتشكل تجاوزاً للمساطر القانونية المحددة بوضوح.
وأما فيما يخص الفصل 46 من الدستور، فإنه يحدد بجلاء واجب التوقير والاحترام تجاه شخص الملك، وهو ما يجعل المطالبة بالإقالة بهذه الطريقة عرضة للانتقادات من حيث الطريقة والأسلوب الذي تم به عرض العريضة.
الملاحظة الثالثة: تجاوز صلاحيات البرلمان
من خلال هذه العريضة، يتم التطرق إلى مسألة تتعلق بمساءلة الحكومة، وهي من اختصاصات البرلمان بمقتضى الدستور. في هذا السياق، فإن المساءلة السياسية لأعضاء الحكومة يجب أن تتم عبر القنوات الدستورية المعتمدة، سواء من خلال آليات الرقابة البرلمانية أو من خلال لجان تقصي الحقائق. وعليه، فإن هذه العريضة تتجاوز الصلاحيات الدستورية للبرلمان، وتعكس نوعاً من السعي إلى التفوق على المؤسسات المنتخبة التي يتمتع نوابها بسلطة الرقابة على الحكومة.
الملاحظة الرابعة: غياب الضمانات القانونية للتوقيع الإلكتروني
من الجوانب الهامة التي يجب إثارتها هو غياب الضمانات القانونية المتعلقة بالتوقيع الإلكتروني على العريضة. لا يوجد ما يضمن حماية البيانات الشخصية للموقعين، وهو ما يشكل خرقاً محتملاً لحقوق الأفراد في حماية خصوصيتهم. كما أن غياب التنسيق مع الجهات المعنية، مثل موقع “إبلاغ” أو أي جهة حكومية أخرى مختصة في الرقابة على البيانات الإلكترونية، يجعل هذه العريضة عرضة للتلاعبات القانونية والتقنية.
الملاحظة الخامسة: ضرورة التدخل القضائي
أمام هذا الوضع، من الضروري أن تتدخل الجهات القضائية المختصة لتقييم الوضع الراهن ومحاسبة كل من يساهم في نشر هذه العريضة خارج الأطر القانونية المعتمدة. كما يجب على رئاسة النيابة العامة أن تتحرك بشكل عاجل للتحقيق في محتوى الفيديو الذي يروج لهذه العريضة، وتحديد ما إذا كانت هناك أي انتهاكات قانونية تستوجب التدخل الفوري.
الملاحظة السادسة: أهمية الحفاظ على هيبة المؤسسات
من الضروري التأكيد على أن أي تحرك قانوني أو شعبي ضد مسؤول حكومي يجب أن يحترم هيبة المؤسسات الدستورية، وخاصة تلك التي يمثلها الوزراء. إن طرح هذه العريضة بصيغة شعبوية قد يؤدي إلى إضعاف الثقة في المؤسسات بشكل عام، مما يفتح المجال أمام هجمات قد تكون ذات أبعاد سياسية أو اجتماعية، وبالتالي تهدد الاستقرار المؤسساتي والتوازنات السياسية.
الملاحظة السابعة: التأثيرات السياسية على استقرار الحكومة
إضافة إلى المساءلة القانونية، يجب الإشارة إلى التأثيرات السياسية التي قد تترتب على نشر مثل هذه العرائض. فالدعوات الشعبية التي تُوجه ضد أحد أعضاء الحكومة قد تؤثر سلباً على صورة الحكومة ككل، لا سيما إذا لم يتم التعامل مع هذه التحركات ضمن الأطر الدستورية المحددة. هذا النوع من الحملات قد يخلق جوًّا من عدم الاستقرار، ويزيد من الصعوبات التي تواجه الحكومة في أداء مهامها على نحو فاعل وملتزم.
في الختام، فإن العريضة المطروحة تثير العديد من الإشكالات القانونية والدستورية التي لا يمكن تجاهلها. من الضروري أن يتم الالتزام الصارم بالقواعد الدستورية والإجراءات القانونية المعمول بها في أي مطلب من هذا النوع، سواء من حيث الاختصاصات أو من حيث حماية الحقوق الفردية. إن تجاوز هذه الأطر القانونية لا يؤدي إلا إلى الفوضى وخلط الأوراق، ويفتح الباب أمام تهديدات غير مبررة لسلامة النظام الدستوري ومؤسسات الدولة.