تصريحات البرلماني عبد الله بوانو حول مشروع قانون المالية لسنة 2025 وضعت الحكومة أمام مرآة مكشوفة، حيث حملت اتهامات خطيرة حول تضارب المصالح، غياب الأولويات الوطنية، وافتقاد السياسات الاقتصادية للجدوى. الحديث عن تقليص الرسوم الجمركية لصالح لوبيات معينة، تجاهل أزمات كبرى مثل الماء والبطالة، واعتماد خطط ترقيعية في تدبير الموارد، ليس مجرد كلام يُقال داخل قبة البرلمان، بل هو صرخة تتطلب من الحكومة ردًا مسؤولًا وواضحًا.
ما جاء على لسان بوانو حول تخفيض الرسوم الجمركية على استيراد العسل من 40% إلى 2.5% “لعيون مول العسل”، أو استيراد الأبقار والأغنام بشكل يخدم لوبيات معروفة، يعكس أزمة تضارب المصالح بين المال والسلطة. هذه الأزمة ليست حكرًا على المغرب، بل هي ظاهرة عالمية سبق أن أدت إلى تقويض تجارب سياسية بارزة. في إيطاليا، كانت إمبراطورية سيلفيو برلسكوني الإعلامية مصدر اتهامات عديدة بتضارب المصالح خلال فترة حكمه. وفي لبنان، واجه رفيق الحريري تحديات مشابهة بسبب توظيف إمكاناته الاقتصادية والإعلامية لدعم طموحاته السياسية. أما في جورجيا، فقد استخدم بيدزينا إيفانيشفيلي قوته الاقتصادية والإعلامية لفرض هيمنته السياسية، ما أثار تساؤلات حول استقلالية القرار السياسي.
اليوم، تثار ذات التساؤلات في المغرب، حيث بات المال والإعلام عاملين مؤثرين في رسم السياسات الحكومية. تصريحات بوانو تشير إلى اعتماد الحكومة على فيضانات الجنوب الشرقي لتبرير تقليص الميزانيات الموجهة لأزمة الماء، وتخفيض دعم التشغيل من 14 مليار درهم إلى مليار درهم فقط. كما كشف عن تأخر البرلمان في المصادقة على اتفاقيتين لمكافحة الفساد لمدة 14 شهرًا، وهو أمر يثير القلق حول جدية الحكومة في محاربة هذه الآفة.
هذه المعطيات ليست مجرد أخطاء إدارية عابرة؛ إنها تعكس خللًا عميقًا في أولويات الحكومة. ما يحتاجه المغاربة اليوم ليس فقط ميزانية متوازنة، بل حكومة تملك الجرأة للرد والتبرير، لتقول بصراحة: هل تخدم اختياراتها الصالح العام؟ أم أن المصالح الضيقة للوبيات المال والإعلام باتت هي التي تقود القرار السياسي؟
الدروس المستقاة من تجارب دولية واضحة: تضارب المصالح بين المال والسلطة يؤدي إلى فقدان الثقة وتقويض الديمقراطية. والحكومة المغربية، أمام هذا التحدي، مطالبة بأن تثبت شفافيتها. مواجهة تصريحات بوانو باللامبالاة ليس خيارًا. المغاربة يستحقون حكومة تعترف إذا أخطأت، وتوضح إذا أحسنت، وتضع أولوياتهم فوق كل اعتبار.
فهل تملك حكومة أخنوش الشجاعة لمواجهة هذا الاختبار؟ أم أن الصمت سيظل عنوان المرحلة؟