نساء تيندوف أو الجرح المنسي

نساء تيندوف أو الجرح المنسي

- ‎فيشن طن, واجهة
نساء تندوف
إكسبريس تيفي

بقلم نجيبة جلال

في ظل التحولات المجتمعية التي يعرفها المغرب والمنطقة المغاربية، تظل مأساة النساء في مخيمات تندوف جرحًا مفتوحًا في الضمير الإنساني، حيث يعشن ظروفًا لا يمكن وصفها إلا بأنها تجسيد صارخ للاستغلال والانتهاك. هذه المخيمات، التي تُسيطر عليها هيئات مسلحة تُمارس نوعًا من السلطة المطلقة، أصبحت فضاءً يغيب فيه القانون، وتُطمس فيه حقوق النساء بشكل مريع. بين الاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر، تواجه النساء هناك واقعًا يفتقد لأدنى مقومات الكرامة والإنسانية.

في هذه المخيمات، تعيش النساء في ظل منظومة تكرّس العنف بأشكاله المختلفة، وتُحكم السيطرة عليهن بصمت مفروض وقمع ممنهج، لا يُتيح للضحايا أي إمكانية للتعبير أو طلب المساعدة. ومع غياب أي رقابة دولية حقيقية أو محاسبة قانونية للمتورطين في هذه الانتهاكات، تستمر معاناة النساء كأنها جزء من يوميات معتادة، حيث يتم دفعهن للرضوخ تحت وطأة الفقر، القهر، والخوف.

وسط هذه المأساة، يظل الغياب التام للحركات النسائية المغربية عن إثارة هذا الملف أو الترافع بشأنه مسألة تُثير التساؤل والدهشة. الحركات التي أثبتت حضورها في قضايا عديدة داخل المغرب، من مكافحة العنف ضد النساء إلى المطالبة بتكريس المساواة، تبدو وكأنها صامتة تمامًا أمام المأساة التي تتعرض لها نساء تندوف. هل يعود ذلك إلى قلة الوعي بحجم الكارثة الإنسانية هناك؟ أم أن المسألة تُواجه تحديات مرتبطة بطبيعة الملف وسياقه السياسي؟ أياً كانت الأسباب، فإن هذا الصمت لا يمكن تفسيره دون أن يثير تساؤلات حول أولويات هذه الحركات وقدرتها على تجاوز حدود الجغرافيا لمناصرة قضايا المرأة، أينما كانت.

إن مأساة نساء تندوف ليست فقط قضية إنسانية تستدعي تدخل المنظمات الدولية؛ بل هي أيضًا اختبار للالتزام المبدئي والإنساني للحركات النسائية المغربية التي يُفترض أنها تُناصر حقوق النساء كافة. كيف يمكن لحركات رفعت شعارات التضامن والمساواة أن تغفل عن معاناة النساء في هذه المخيمات، حيث تتحطم الكرامة الإنسانية على مرأى ومسمع الجميع؟ إن مناصرة قضايا النساء لا ينبغي أن تخضع لأي قيود سياسية أو حسابات ضيقة، بل يجب أن تكون صوتًا نزيهًا لكل مظلومة، أينما كانت.

إن المسؤولية اليوم تتجاوز حدود المخيمات وتتطلب من الحركات النسائية المغربية أن تتحرك، ليس فقط لإثارة هذا الملف دوليًا، ولكن أيضًا للتأكيد على أن التضامن مع قضايا النساء لا يمكن أن يعرف حدودًا أو استثناءات. النساء في تندوف لسن مجرد أرقام أو قصص تُروى على هامش الأحداث، بل هنّ ضحايا يستحقن أن تُرفع أصوات الجميع لنصرتهن، بعيدًا عن أي تردد أو حسابات. إنصاف هؤلاء النساء ليس فقط واجبًا حقوقيًا، بل هو التزام أخلاقي يُعيد للحركات النسائية مصداقيتها ورمزيتها في الدفاع عن الكرامة الإنسانية.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *