في مقاله الأخير في موقع القدس العربي، يسعى الحسين المجدوبي إلى إعادة تدوير مفهوم “الربيع العربي” وربطه بشكل غير منطقي بما جرى في سوريا، متجاهلاً الحقائق التاريخية والسياسية التي تجعل من هذا الربط محض مغالطة. يقدم المجدوبي قراءة تتعمد الخلط بين ثورات شعبية حقيقية وصراعات إقليمية ودولية معقدة، وكأن ما جرى في تونس أو مصر نسخة طبق الأصل لما حدث في سوريا.
ما وقع في سوريا لم يكن أبداً جزءاً من “الربيع العربي”. سوريا كانت ساحة تصفية حسابات دولية بامتياز، حيث تداخلت المصالح بين روسيا، الولايات المتحدة، تركيا، إيران، وإسرائيل. سقوط نظام بشار الأسد -كما يصوره البعض- ليس نتيجة “ثورة شعبية” بل نتيجة حروب بالوكالة ومصالح كبرى. لقد أُنهك النظام بسبب سنوات من القتال، العقوبات، وضغوط إقليمية ودولية هائلة، وأتى خطأ الأسد في فهم التحولات الدولية ليُسرّع نهايته.
روسيا، التي دعمت الأسد لفترة طويلة، وجدت نفسها في موقف صعب بين حماية حليفها السوري وتأمين مصالحها الاستراتيجية في أوكرانيا والقوقاز. إيران، من جهتها، فضّلت الابتعاد عن المواجهة المباشرة في ظل الضغوط الدولية الهائلة، بينما استغل أردوغان الفرصة لتوسيع نفوذه الإقليمي. كل هذا يؤكد أن ما حدث في سوريا لم يكن سوى نتيجة معادلات معقدة لا علاقة لها بأحلام “الربيع العربي”.
أما في المغرب، فإن تصوير أحداث 2011 على أنها جزء من هذه الموجة هو تجنٍّ على الواقع. المغرب كان وسيظل حالة خاصة في المنطقة، حيث اختار الملك محمد السادس تقديم إصلاحات هيكلية حافظت على الاستقرار وفتحت المجال لتحديث مؤسسات الدولة. كانت هذه الإصلاحات تعبيراً عن دينامية سياسية داخلية، وليست استجابة لضغوط خارجية أو ارتداداً لما حدث في دول الجوار.
الأمر المثير للاستغراب هو إصرار المجدوبي على تكرار هذه السردية رغم تفنيدها مراراً. السؤال هنا: ما الذي يحاول الكاتب تحقيقه من خلال هذه المغالطات؟ هل الهدف هو خلق فزاعة لإيهام الرأي العام بأن المغرب قد يسير على خطى سوريا؟ أم أن هناك أجندة تستهدف التشكيك في استقرار المملكة؟
دعوتنا للسيد المجدوبي هي أن يتحلى بالوضوح، وأن يجيب عن تساؤلاتنا المشروعة: ما الغاية من نشر هذه الأفكار المغلوطة؟ ولمصلحة من يتم الترويج لفكرة أن المغرب يمكن أن يكون جزءاً من سيناريو الفوضى الإقليمي؟
المغرب، بتاريخه وإرادته الشعبية وقيادته الحكيمة، تجاوز محاولات التشكيك. وما جرى في 2011 كان تأكيداً على أن التغيير يمكن أن يكون سلمياً ومدروساً، بعيداً عن الشعارات المستوردة التي لم تُنتج سوى الخراب في دول أخرى.