في عام 1922، حين كشف هوارد كارتر عن مقبرة توت عنخ آمون، لم تكن الكنوز المذهلة وحدها هي التي أبهرت العالم، بل كانت “لعنة الفرعون” هي التي أشعلت المخيلة الجماعية. زُعم أن الموت يلاحق كل من تجرأ على انتهاك حرمة الفرعون، وتوالت الروايات عن وفيات غامضة طالت المكتشفين والممولين وحتى عائلاتهم. لم تكن هذه الأحداث سوى مزيج من الصدف والبكتيريا القديمة، لكن الصحافة حولتها إلى قصة ملعونة، تضاعفت أرباحها كلما تكررت أكذوبة “اللعنة”.
ما يثير الدهشة هو أن هذه “اللعنة” لم تُدفن مع مومياوات الفراعنة، بل وُلدت من جديد، في هيئة أشد فتكًا: لعنة الويب! عصر الإنترنت والتواصل الاجتماعي أطلق العنان لشائعات لا تموت، تُبنى على الأكاذيب وتُرّوج بالحقد، مستهدفة الرموز والمؤسسات.
في المغرب، انتقلت هذه “اللعنة” من مجرد حكايات هامشية إلى حملات منظمة لتشويه شخصيات وطنية ومسؤولين، بل حتى المؤسسات السيادية ورموز البلاد. أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة مفتوحة للمزايدات، تُصنع فيها الإشاعات بدم بارد، وتُضرب فيها سمعة القادة والمؤسسات دون اعتبار للحقيقة.
عندما اخترت التصدي للكثير من الهجمات الإعلامية، كنت مقتنعة تمامًا بأن للعالم الرقمي قواعده، وأن تجاهل تلك الحملات يُبارك الإشاعات ويترك لها مجالًا للتفاقم، مما يُولد واقعًا افتراضيًا له مناصروه. وهذا ما حدث بالفعل! تعرضت حينها لهجمات شديدة، واتُّهمت بأن ما أفعله لا يمت للصحافة بصلة. ولكن، ما هي الصحافة إذن، إذا لم تكن تصويب الخبر والتصدي لحملات مدمرة تزيف الحقائق وتُكتب لتشويه التاريخ؟
شهدنا كيف تُلفق الأكاذيب بأسلوب مدروس، تستهدف الأمن والقضاء، وتسعى للنيل من الملكية باعتبارها الضامن الأساسي لاستقرار الأمة. أولئك الذين يقفون وراء هذه الهجمات، يختبئون خلف شاشات صغيرة، يزيفون الوقائع، ويزرعون الشكوك في نفوس الناس، تمامًا كما فعل الإعلام البريطاني حين أطلق أسطورة “لعنة الفرعون”.
واليوم، أرى أن صمود عبد اللطيف وهبي أمام إحدى أكبر حملات التشويه يُبرز نموذجًا جديدًا في مواجهة هذه الظاهرة. فهو لا يسعى فقط للدفاع عن نفسه، بل يعمل على حماية المواطن المغربي ومؤسساته، مُحاولًا القضاء على هذا الوباء بشكل جذري. إنه يُقدم درسًا بأن الدفاع عن الحقيقة ليس خيارًا بل واجب، وأن الحفاظ على الثقة الوطنية يتطلب شجاعة ومواجهة لا تعرف التراجع.
لكن الفرق كبير بين الماضي والحاضر. لعنة توت عنخ آمون كانت لعبة إعلامية محدودة، أما لعنة الويب، فهي وباء عالمي، تنمو عبر خوارزميات تسهل انتشار الكذب، وتغذيها مصالح خفية.
اليوم، نحن أمام معركة مفتوحة، حيث لا يكفي التصحيح أو الرد على الإشاعات. نحن بحاجة إلى استراتيجية شاملة تواجه هذه الحملات بأسلوب حازم: إعلام وطني يفضح الأكاذيب، قضاء صارم يُحاسب مروجي الشائعات، وتربية مجتمعية تُحصّن العقول من السقوط في فخ التضليل.
من لعنة الفراعنة التي حيكت لبيع الصحف، إلى لعنة الإنترنت التي تُنسج لتدمير الثقة وتقويض المؤسسات، يبقى الدرس واضحًا: الإشاعة لا تعيش إلا إذا سمحنا لها. والحقيقة، مهما تأخرت، يجب أن تكون السلاح الذي نواجه به كل لعنة تسعى لتشويه الوطن ورموزه.