كريمة النضال والامتياز الحقوقي

كريمة النضال والامتياز الحقوقي

- ‎فيشن طن, واجهة
نجيبة جلال
إكسبريس تيفي
بقلم نجيبة جلال

في ظل النقاش الذي أثاره تسريب الفيديوهات التي توثق الجرائم المروعة لتوفيق بوعشرين بحق نساء مغربيات، تتبدى صورة مؤسفة عن ازدواجية البعض ممن يدّعون النضال الحقوقي، إذ اختاروا تحويل الأنظار عن جوهر الجريمة إلى مهاجمة من كشفوا حقيقتها. مشهد عبثي، يحاول فيه البعض تجاهل القمر والانشغال بالإصبع الذي يشير إليه.

المثير للدهشة أن أصواتًا، يفترض أن تكون صوت العدالة وملاذًا للضحايا، أظهرت اصطفافًا مع الجاني عبر تبرير أفعاله ووصفها بعلاقات رضائية، متجاهلين تمامًا معاناة نساء استُغللن في لحظات هشاشة. ولم تكتف هذه الأصوات بذلك، بل اتهمت كل من صدمهم هذا السلوك الموثق بالتشهير، معتبرةً الدفاع عن الحقوق حكرًا على من يدورون في فلكها أو يوالون خطابها.

إنه منطق “كريمة النضال”، آلية تُوظفها بعض الهيئات الحقوقية لتحقيق امتيازات ضيقة على حساب المبادئ، وتحول الخطاب الحقوقي إلى أداة لحماية المصالح الشخصية والحزبية، حتى حينما يتعلق الأمر بجرائم الحق العام. وتأتي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نموذجًا صارخًا لهذا التوظيف الانتهازي، فهي التي سجلت مخالفات شتى، من ضرب رئيسها للوحدة الترابية إلى ممارسات تظهر وكأنها فوق القانون والمؤسسات، متسترة خلف شعارات براقة تخفي تحتها أجندات مكشوفة.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد؛ فقد أظهرت الممارسات اليومية لهذه الفئة أن الامتياز الحقوقي أضحى درعًا يحمي من تجاوزوا حدود الأخلاق والقانون. بين رئيس حزب يساري يصدر شيكًا بدون رصيد، ويوتيوبر يتهجم على المؤسسات، ورياضي ينشر الإساءات مستترًا وراء “حق التعبير”، ورئيس منتدى متهم بجرائم ثقيلة، تكرر نفس المشهد: آلة الدفاع الحقوقي تتحرك بسرعة، لتجد التبريرات والحصانات لكل من ينتمي إلى هذه الدائرة.

ما نشهده اليوم يتجاوز حدود قضية توفيق بوعشرين، ليضع المجتمع أمام تساؤلات جوهرية حول مصداقية من يدّعون الدفاع عن الحقوق، فيما هم يوظفونها كأداة لمصالح ضيقة، على حساب العدالة والمبادئ. النضال الحقيقي ليس غطاءً للتستر على الجرائم، ولا شعارًا فارغًا لتبرير الاعتداءات. إنه التزام بالمبادئ، دفاع عن القيم، ووقوف دائم مع الحق، بعيدًا عن الحسابات الشخصية والولاءات الضيقة.

إن الصمت عن الجريمة خيانة للضحايا، والتبرير للجاني جريمة أخرى لا تقل بشاعة عن الفعل ذاته. فالمجتمع اليوم مطالب باستعادة الثقة في منظومة الحقوق، ليس من خلال الشعارات أو الولاءات، بل عبر عدالة نزيهة تقف مع الضحايا دون مواربة أو انحياز. ما حدث كشف زيف الأقنعة وأسقط شعارات طالما كانت وسيلة للتغطية على انحرافات، في وقت تحتاج فيه القيم إلى من يذود عنها بلا مساومة أو ادعاء.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *