بقلم نجيبة جلال
منذ بداية قضية توفيق بوعشرين، بدا جليًا أن التسييس لم يكن مجرد خيار عشوائي، بل نهج مدروس من دفاع المتهم يهدف إلى الالتفاف على الأدلة القاطعة وصرف الأنظار عن الجريمة الأساسية: استغلال جنسي ممنهج لصحافيات وإداريات عملن تحت إدارته.
اليوم، وبعد صدور عفو ملكي سامٍ، كان من المفترض أن يستغل بوعشرين هذه الفرصة لإعادة بناء حياته والمصالحة مع ضميره فيما يخص حقوق الضحايا. إلا أنَّه ومع داعميه، اختاروا استغلال العفو في محاولة واضحة لتبييض الجريمة، متناسين أن العفو الملكي يزيل العقوبة السجنية فقط، ولكنه لا يمس أبداً بحقوق الضحايا التي أقرها القضاء.
لم تقف هذه الاستراتيجية عند محاولة التشكيك في القضاء المغربي، بل تجاوزت ذلك لتحريض مباشر من أطراف مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وجماعة العدل والإحسان، عبر دعمها لمنهجية تهدف إلى تعطيل تنفيذ الأحكام القضائية وتشكيك في مشروعية التعويضات التي أقرها القضاء لفائدة الضحايا. الهدف من ذلك هو تقويض ثقة الضحايا والمؤسسات القضائية، والترويج لفكرة أن العدالة تُستخدم كأداة تصفية سياسية، متناسين الأدلة القاطعة التي وثقتها الفيديوهات بالصوت والصورة، والتي لا تترك مجالاً للشك في الجرائم التي ارتكبها بوعشرين بحق ضحاياه.
هذا الموقف مفهوم، لأن تنفيذ بوعشرين لتعويض ضحاياه سيهدد بشكل كبير الرواية التي بنوها في الدفاع عنه، .
في هذا السياق، يأتي تصريح رضى بنشمسي الأخير في حواره مع موقع مغربي، والذي أوضح بشكل جلي أن منظمة هيومن رايتس ووتش لم تتدخل في الجرائم الجنسية، وأن تقاريرها تقتصر على الجانب الإجرائي فقط، داعيًا إلى ضرورة تشديد العقوبات في قضايا الاستغلال الجنسي والاغتصاب.
الأصوات التي دافعت عن بوعشرين لم تكن سوى أدوات في يد أجندة سياسية تهدف إلى ضرب مصداقية المؤسسات الوطنية. اليوم، يتوجب على هؤلاء مواجهة الحقيقة بكل جرأة: قضية الاستغلال الجنسي وثقتها أدلة لا تقبل الجدل، وأدانها المجتمع المغربي قبل أن يحكم فيها القضاء.
ما يجب تأكيده بوضوح هو أن العفو الملكي يمثل فرصة نادرة لإعادة تقييم الذات، لا لتبييض الجرائم أو مواصلة التحريض ضد مؤسسات الدولة. يجب على الصحافة الحقيقية أن تظل صوتًا للضحايا وأداة للدفاع عن العدالة والحق، لا أن تكون منصة لتلميع الجناة وزيف الحقائق.
ولكن لماذا تستمر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وبعض أعضاء العدل والإحسان في هذا الخطاب؟
الإجابة واضحة: تنفيذ تعويضات الضحايا سيهدم بشكل نهائي الرواية التي بنوها، وسيقضي على مصداقيتهم المزيفة أمام الرأي العام المغربي و أمام الهيئات الدولية التي استغلتهم لنشر الأكاذيب.
اليوم، أصبح جليًا أن الدولة المغربية ليست طرفًا في هذه القضية، القضية تخص توفيق بوعشرين وضحاياه و الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي تمنع اليوم بوعشرين من تنفيذ حكم التعويضات للضحايا، و التي اصطدمت اليوم بمجتمع مدني لا يخضع تفكيره لمنطق السياسة أو المصالح، بل يترافع بكل مسؤولية من أجل تحقيق العدالة وتمكين الضحايا من حقوقهم المشروعة.