الصحافة بين المهنية وامتهان المعارضة!

الصحافة بين المهنية وامتهان المعارضة!

- ‎فيشن طن, واجهة
بوعشرين يونس مسكين شن طن
إكسبريس تيفي

بقلم نجيبة جلال

كلنا نطمح إلى إصلاحات جادة ترسخ لمستقبل أفضل للمغرب، وكلنا نرنو إلى مغرب يزدهر بالتقدم والعدالة الاجتماعية. ولكن بعضنا يظل يشكك في قدرة التغيير على أن يكون من صنع المغاربة أنفسهم، عبر التعاون الفعّال مع مؤسسات وطنية ذات مصداقية. في ظل هذا السياق، أصبح من الواضح أن بعض الصحفيين، بدلًا من أن يكونوا أصواتًا تعبر عن حقيقة الواقع، يتخذون مواقف حادة تثير العديد من الأسئلة حول نواياهم الحقيقية وتوجهاتهم الخفية. يونس مسكين، الذي طالما تساءلنا عن خياره التحريري وإن كان ينتمي إلى المدرسة البوعشرينية، يبدد اليوم تلك الشكوك من خلال مقاله الأخير، الذي يُظهر اصطفافًا صريحًا مع أطراف تروج لأجندات قد تكون بعيدة عن مصلحة البلاد.

إن المفارقة تكمن في أن هذا المقال لم يوقعه مسكين كما كان معتادًا، مما يثير تساؤلات عميقة حول دوافعه. في هذا السياق، تُثار الشكوك حول أن يونس مسكين قد سعى إلى تمرير رسائل تساوي بين خطاب المنظمات الحقوقية وبين آراء معينة تسعى إلى تحريك المياه السياسية بشكل يتجاوز المصلحة العامة. من خلال تعبيرات تُشبه تلك التي تضمنتها بيانات المنظمات الحقوقية، مثل إدانة الاعتقالات السياسية ودعواتها للإفراج عن المعتقلين، يبدو أن الصحفي قد حاول دمج قضايا حقوقية مهمة في خطاب يهدف إلى تمرير أجندات سياسية بعيدة عن الواقع.

وقد شهدت دول أخرى، مثل تركيا والمجر، كيف يمكن لبعض الصحفيين أن يتخذوا مواقف تضعف دور الصحافة في بناء الديمقراطية، عندما يتبنون أجندات سياسية ضيقة أو يستخدمون الإعلام كأداة للضغط على السلطات بدلاً من تسليط الضوء على الحقيقة. في تركيا، على سبيل المثال، تم استخدام وسائل الإعلام بشكل مفرط لتوجيه الرأي العام ضد معارضين سياسيين، حيث كانت هناك محاولات لتحويل الصحافة إلى منصة لدعاية رسمية، ما أضر بتوازن المعلومات وأدى إلى تراجع الديمقراطية.

إن الخطورة في هذا السلوك لا تكمن فقط في إفساد النقاش العام، بل في زعزعة الثقة في مهنية الصحافة. عندما يتحول الإعلام إلى أداة لتحقيق مواقف سياسية بدلًا من أن يكون مرآة حقيقية للمجتمع، يصبح دور الصحفي في خطر. الصحافة، في أي مجتمع، يجب أن تظل ركيزة أساسية لفتح حوارات حول السياسات العامة وممارسات الحكومة. وإذا تحولت إلى أداة للاستقطاب أو للترويج لأجندات معينة، تصبح فاعلًا في الأزمة السياسية بدلاً من أن تكون قوة دافعة للإصلاح.

في هذا الصدد، يتساءل الكثيرون: هل الصحفي، في دوره المهني، ينبغي أن يكون معارضًا؟ الحقيقة أن الصحفي المهني ليس معارضًا بالضرورة للنظام أو للسياسات العامة. بل هو مراقب حيادي للأحداث، دوره الأساسي هو نقل الحقيقة بأمانة وموضوعية، بعيدًا عن الانحياز أو التأثيرات الخارجية. الصحفي يجب أن ينقل صورة دقيقة للوضع الراهن، مستندًا إلى التحليل المهني للأحداث، وليس على أساس مواقف سياسية أو أيديولوجية قد تُشوش على رؤيته. في النهاية، الصحافة هي الجسر الذي يربط المجتمع بالسلطات، وهي أداة لتعزيز الشفافية والمساءلة.

من خلال عمل الصحفي، تُعزز الديمقراطية، لأنه يوفر للمجتمع فرصة لتشكيل آرائه على أساس معلومات دقيقة ومتوازنة. ولكن إذا تراجعت نزاهة الإعلام، وتراجع دور الصحفي كوسيط محايد، نكون قد دخلنا في مرحلة خطيرة تهدد السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي.

إن الحاجة إلى إعادة بناء الصحافة في بلادنا أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. الصحافة يجب أن تكون عاملًا رئيسيًا في بناء الثقة بين السلطات والمجتمع، ولا يجوز لها أن تصبح أداة لتمرير أجندات ضيقة قد تضر بمصلحة الوطن. ما نحتاج إليه هو صحافة مستقلة ونزيهة، تُسهم في فتح قنوات الحوار الجاد والمثمر، بعيدًا عن الانحيازات السياسية أو المصالح الشخصية.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *