بقلم نجيبة جلال
تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تكشف عن تحول جذري في أولوياته السياسية والأمنية، ما يعكس تركيزه على تعزيز الأمن القومي على حساب التحديات الداخلية والخارجية. تعيينه للجنرال دان كين في منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة يعد خطوة حاسمة في إعادة تشكيل القوة العسكرية الأمريكية، مع التأكيد على أن حماية الأمن القومي تشكل أولوية قصوى في سياسته. هذا التوجه لا يقتصر على الولايات المتحدة فقط، بل يسهم في إعادة ترتيب المشهد الدولي بما يتماشى مع السياسة التي تدعم القوة المركزية وتقلل من هشاشة الهياكل الداخلية.
لا يمكن تجاهل تأثير هذه السياسات على الدول الأخرى، بما فيها المغرب، حيث يُعتبر “الأمن القومي” مصطلحًا حساسًا يثير جدلاً بين العديد من الأصوات المعارضة. فالبعض يرى في هذا المفهوم تهديدًا للحقوق والحريات، رغم أنه يشكل ركيزة أساسية لضمان استقرار الدولة وحمايتها من المخاطر الداخلية والخارجية. في المغرب، يُستخدم هذا المصطلح بشكل متكرر في النقاشات السياسية المحلية، خاصة عندما يتم التطرق للتحديات الداخلية التي تواجهها المملكة. بعض الأصوات تعمد إلى الترويج لاستفتاءات خارجية كأداة للضغط على السياسة الداخلية، في وقت تتزايد فيه الدعوات الانفصالية التي تحاول الاستناد إلى توجهات غربية لتقويض الوحدة الوطنية.
ما يثير القلق هو أن هذه الأصوات، التي تروج لأفكار هدامة ضد استقرار الدولة، تستغل هذه التوجهات لتحقيق أهداف غير وطنية. هذا السلوك قد يصل إلى حد الخيانة إذا استمر في التحريض على الفتن والانقسامات. إذ لا يقتصر خطر هذه الدعوات على السياسة فقط، بل تهدد بشكل مباشر الأسس التي يقوم عليها الأمن القومي في أي دولة، بما في ذلك المغرب. لذا، تصبح مسؤولية الحكومات، بما فيها المغربية، كبيرة في الحفاظ على التوازن بين حقوق المواطنين واستقرار الدولة. فالأمن القومي ليس مجرد شعار، بل هو شرط أساسي لبقاء الوطن في مواجهة محاولات التفكيك.
تصريحات ترامب الأخيرة تظهر تحولًا في أولوياته السياسية والأمنية، والتي تؤثر بشكل واضح على سياسته الداخلية والخارجية. ففي سياق توجهاته الأخيرة، يمكن ملاحظة مجموعة من المواقف التي تحدد مسار الولايات المتحدة داخليًا وخارجيًا، ولها تأثيرات على العلاقات الدولية. في هذا السياق، فإن تصريحاته حول حظر المتحولين جنسيًا من المشاركة في الرياضات النسائية تكشف عن موقفه المناهض لما يراه تهديدًا للمساواة في الرياضة، مما يعكس انقسامًا داخليًا بين التيارات المحافظة التي تدعمه والجماعات الليبرالية التي تعارضه. هذا الجدل الداخلي قد يكون له تأثيرات على الساحة الاجتماعية في دول أخرى، التي تراقب عن كثب تطورات القضايا الاجتماعية في أمريكا.
أما بشأن السياسة تجاه أوكرانيا وروسيا، فقد أبدى ترامب موقفًا أكثر مرونة تجاه روسيا مقارنة بسياسات الإدارات السابقة، مما يعكس تغييرًا استراتيجيًا قد يؤدي إلى تغيير في الموازين الدولية. بينما قد تثير هذه التحولات استياء حلفاء أمريكا التقليديين في أوروبا، الذين يعتمدون على الدعم الأمريكي لمواجهة التهديدات الروسية.
وفيما يخص الضغوط التي مارسها ترامب على حاكمة ولاية ميين، يظهر هذا الموقف حرصه على تعزيز تطبيق القوانين الفيدرالية، ما يعكس رغبة في ترسيخ السلطة المركزية على حساب الحكومات المحلية. هذا التوجه يمكن أن يحفز الدول الأخرى على تبني سياسات أكثر تمسكًا بالقوة المركزية لمواجهة التحديات الداخلية.
أما عن تصريحاته بشأن غزة والشرق الأوسط، فقد قدم ترامب رؤية غير تقليدية لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث اقترح تطوير غزة بدلاً من التطرق إلى القضايا السياسية التقليدية. هذه المقاربة قد تثير الجدل بين حلفاء أمريكا في المنطقة، مثل مصر والأردن، الذين يفضلون حلولًا سياسية توافقية.
باختصار، تبرز مواقف ترامب التزامًا قويًا بتعزيز القوة العسكرية الأمريكية واستقرارها الداخلي، ما يعكس سياسة “أمريكا أولًا” التي تركز على حماية المصلحة الوطنية. في وقت تتزايد فيه الدعوات، داخل بعض الدول، للأحادية والعزلة، يتعين على الحكومات الحفاظ على توازن دقيق بين تعزيز مصالحها الداخلية وضمان استمرارية التعاون الدولي في قضايا الأمن والسياسة.