بقلم نجيبة جلال
لا عجب أن يلجأ حميد المهداوي إلى أسلوب الاجتزاء والتحريف، فهو لم يكن يومًا رجل مبدأ أو فكر، بل مجرد صعلوك إعلامي يبحث عن الإثارة الرخيصة لتلميع صورته وسط فوضى الخطاب الشعبوي. آخر “إبداعاته” كانت بتر مقطع من حلقتي التي تناولت فيها قضية خطيرة لسيدة مغربية متورطة في استدراج فتيات إلى قبرص بدعوى الدراسة، لتجد هؤلاء الشابات أنفسهن ضحايا الاستغلال والاتجار بالبشر.
هذه المرأة صدرت في حقها مذكرة بحث في المغرب، وهي متابعة قضائيًا في قبرص بسبب ممارساتها الإجرامية. وخلال تناولي للقضية، وصفت سلوكها بما يناسبه من مصطلحات دقيقة تعكس بشاعة جرائمها، مستعملة كلمة “قوادة”، وهي كلمة عربية فصيحة لا تحتمل أي تأويل مبتذل، بل تعبّر عن واقع مهين تقف خلفه هذه السيدة في حق الضحايا.
لكن حميد المهداوي، في حركة صبيانية تُظهر ضحالة تكوينه وجهله، اقتطع جزءًا من حديثي، مروجًا لفكرة أنني أستعمل كلمات “نابية”، بل تمادى في تفاهته ليتحدث عن “غياب أنوثتي” بسبب نطقي لهذه الكلمة!
لو قرأ نجيب محفوظ… لفهم معنى القوادة الحقيقية!
ما فعله المهداوي يثبت أنه لا يقرأ، وإن قرأ، فلا يفهم. كلمة “قوادة” ليست دخيلة ولا مبتذلة، بل هي مفردة من صميم اللغة العربية. ولو كان يفقه شيئًا في الأدب العربي، لعرف أن نجيب محفوظ نفسه، في معظم رواياته، استخدم هذا المصطلح لوصف شخصيات تتاجر بالبشر، سواء في الجنس أو في السياسة أو الإعلام.
نجيب محفوظ كشف في أعماله أن القوادة ليست حكرًا على عالم الليل، بل تمتد إلى السياسة والإعلام، حيث يمارس البعض “القوادة الفكرية” بتزييف الحقائق وتلميع الطغاة أو تأجيج الجماهير ضد أوهام مصطنعة. وللمفارقة، هذا تمامًا ما يقوم به حميد المهداوي، فهو نموذج لما يمكن تسميته بـ”القواد الإعلامي”، حيث يقتات على الافتراء، ويعيش على التضليل، ويتاجر بجهل متابعيه.
كيف لرجل لا يعرف نجيب محفوظ أن يكون صحفيًا؟
الصحافة مسؤولية قبل أن تكون مهنة، وهي تستوجب المعرفة والبحث قبل إطلاق الأحكام العشوائية. ولكن كيف نتوقع من شخص مثل المهداوي أن يكون مؤهلًا لهذه المهنة، وهو الذي بنى شهرته على الصراخ والتهييج؟ كيف لمن لم يقرأ نجيب محفوظ أن يدعي الفهم؟ كيف لمن لا يفرّق بين المصطلحات أن يكون ناقدًا؟
حميد المهداوي ليس سوى ظاهرة صوتية، فقاعته الإعلامية قائمة على التحريف والتضليل، وعندما يُسقط في يده، لا يجد سوى الهروب إلى الإسفاف الشخصي. ولكن مهما حاول تشويه الحقائق، يبقى الفرق واضحًا بين الصحافة التي تحترم نفسها، وبين من امتهن الشعبوية كوسيلة للاسترزاق.
رابط الفيديو الأصلي الذي بتره حميد المهداوي لممارسة القوادة الإعلامية في حقي