ميليشيات رقمية و أقزام مزارع تستهدف مغرب المؤسسات

ميليشيات رقمية و أقزام مزارع تستهدف مغرب المؤسسات

- ‎فيشن طن, واجهة
نجيبة جلال
إكسبريس تيفي

بقلم نجيبة جلال

لطالما حذرتُ في العديد من المناسبات من الخطر المتصاعد الذي تشكله “الميليشيات الرقمية” على استقرار المشهد الإعلامي المغربي. هذه المجموعات، التي تتخفى وراء شعارات زائفة مثل “الدفاع عن الحقوق” و”محاربة الفساد”، لا تعدو كونها أدوات هدم ممنهجة تهدف إلى تفكيك الثقة في مؤسسات الدولة وزعزعة استقرار الوطن. ومن خلال ترويج الأكاذيب والافتراءات المتزامنة، تقوم هذه الميليشيات الرقمية باستهداف شخصيات ومؤسسات وطنية في محاولة لخلق حالة من الفوضى وابتزاز الرأي العام.

في البداية، لم تتوان هذه الميليشيات عن استهداف القضاء، حيث عمدت إلى اختيار ملفات رائجة أمام القضاء، بعناية لطرحها أمام الرأي العام، وتقديمها بشكل مشوه، محاولين إخراج القضايا عن سياقها بشكل ينال من مصداقية العدالة المغربية. الهدف كان واضحًا: شيطنة النظام القضائي وضرب الثقة في مصداقيته، فكانت هذه الميليشيات أول من هاجم مؤسسة القضاء بأسلوب ممنهج، مستخدمين تكتيكًا إعلاميًا مشبوهًا. ثم انتقلت هذه الحملات لتستهدف المؤسسات الأمنية، بما يعكس محاولة مستمرة لتقويض الثقة في المؤسسات الأمنية والقضائية.

لاحقًا، سعت هذه الميليشيات إلى تعميق هجماتها لتشمل القضايا المجتمعية، على غرار ملف إعادة إيواء ضحايا زلزال الحوز، حيث روجوا لاتهامات باطلة ضد الحكومة ووزارة الداخلية بالخصوص، في محاولة لضرب صورتهما. هذا الهجوم الممنهج لم يتوقف عند حدود المؤسسات الوطنية، بل تجاوزها إلى استهداف الصحافيين والمؤسسات الإعلامية التي تلتزم بالموضوعية والمهنية. ليصل مداه باستهداف أعلى رموز المملكة.

من أبرز الأسماء التي ساهمت في هذه الحملة، أذكر حميد المهداوي، الذي تحول إلى صانع محتوى رقمي يعتمد الإثارة والتضليل في هجماته المتواصلة ضد مؤسسات الدولة. لقد تبنى المهداوي أسلوبًا استئصاليًا واضحًا، يهدف إلى إضعاف مصداقية النظام من خلال التشويه المستمر للمؤسسات الوطنية و استعمال جميع التوصيفات لتبخيس انجازات المملكة المغربية و وصفها بالضعيفة. أما الصحفي سليمان الريسوني، فقد كان له نصيب كبير في هذه الهجمات، حيث بعد تورطه في ملف هتك عرض شاب مغربي، وهو الملف الذي لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال.و في محاولة يائسة لترقيع مشينته الأخلاقية, لجأ الريسوني إلى تسييس القضية لخلط الأوراق، محاولًا تحويلها إلى مسألة سياسية في خطوة تهدف إلى تشويه النظام القضائي والإعلامي، متجاهلًا تمامًا الأبعاد الإنسانية والأخلاقية للقضية.

أما هشام جيراندو، فهو الآخر عنصر محوري في هذه الدائرة التحريضية، حيث دعا صراحة إلى العصيان المدني وتخريب السلم الاجتماعي، بعد سلسلة طويلة من استهداف مغاربة و مسؤولين و اعلاميين و محامين و قضاة, قبل أن يحاصره القضاء المغربي و الكندي و يسقط أغلب المشاركين معه في عمليات ابتزاز و تشهير الكتروني و يهرب إلى وجهة غير معلومة إلى حدود الساعة . إن الميليشيات الرقمية التي يقودها هؤلاء الأفراد تتخذ من التشويه والابتزاز أسلوبًا لتحقيق أهدافها، ولا تردعها أي ضوابط قانونية أو أخلاقية.
ومن أخطر ما شهدناه مؤخرًا هو الاعتداء الذي تعرض له رجل سلطة برتبة قائد من طرف سيدة و بعض أفراد اسرتها، في مشهد يبرز تصاعد الفتنة التي تروجها هذه الميليشيات، ويعكس مدى تأثر المجتمع بهذا التحريض المستمر. هذه الواقعة تمثل تجاوزًا خطيرًا للخطوط الحمراء في المجتمع، وتدل على تأثير هذه الميليشيات في زعزعة الأمن الاجتماعي.
تعمل هذه الميليشيات الرقمية عبر شبكة من الحسابات الرقمية والمنصات اليوتوبية، التي تنشر الأكاذيب والافتراءات بشكل متزامن، و تستعمل نفس عناصر اللغة، لتوجيه الرسائل المسمومة والتشويش على الرأي العام. يستغلون ضعف الرقابة على الفضاء الرقمي، مما يسمح لهم ببث الشائعات بشكل واسع، خصوصًا على منصات التواصل الاجتماعي التي تتمتع بسرعة الانتشار. لأنهم يستخدمون معهد بروفايلات و حسابات لا تعد و لا تحصى كأقزام مزارع لترديد خطاباتهم بأساليب ملتوية للضغط على الشخصيات العامة والمجتمع، وتوجيه الاتهامات بدون أي دليل قاطع.
يتمثل دور “أقزام المزارع” في هذه العملية في نشر تلك الأكاذيب والتضليل في أوساط متفرقة من المجتمع، بحيث يمكن أن يصنعوا هوة بين المواقف الشعبية والمؤسسات الوطنية. هؤلاء الأشخاص غالبًا ما ينتمون إلى شبكات مهنية غير مرخصة، أو جمعيات غير قانونية ويعتمدون على التقنيات البدائية في فبركة الأحداث والأخبار، مستغلين حقيقة أن جزءًا من المجتمع يثق بشكل مبالغ فيه في الفضاء الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي.
استجابة لهذا الوضع الخطير، دعت جمعية “بيت الحكمة” إلى اتخاذ خطوات عاجلة وحاسمة للتصدي لهذه الميليشيات الرقمية. في بلاغ لها، أكدت الجمعية ضرورة تدخل النيابة العامة والسلطات القضائية لإغلاق المنصات التي تبث هذا النوع من السموم، والتي لا تقل تهديدًا للأمن الوطني عن تلك القنوات الإعلامية المضللة التي تم إغلاقها سابقًا. كما طالبت الجمعية باستخدام تقنيات حديثة لرصد الأنشطة المشبوهة وراء هذه الحملات، وكشف الأطراف التي تديرها وتدعمها، سواء كانت داخلية أو خارجية.
لقد اختار المغرب مسار الاستقرار والإصلاح والتنمية، ولن يسمح لهذه الميليشيات الرقمية بأن تفرغ هذا المسار من محتواه. إن التصدي لهذه الظواهر أصبح ضرورة ملحة من أجل حماية مؤسسات الدولة وضمان استقرار الوطن، كما أن مواصلة الدفاع عن قيم العدالة والمصداقية الإعلامية يتطلب نبذ أساليب الابتزاز والتشهير التي تسعى إلى تقسيم المجتمع وإرباكه.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *