العين الثالثة

العين الثالثة

- ‎فيعلى مسؤوليتي, واجهة
IMG 20250221 WA0115
إكسبريس تيفي

 

ميمونة الحاج داهي/

براغماتية المغرب ترسخ لسيادته وتفشل محاولات التدخل الأوروبي..درس دبلوماسي جديد في الحكمة والالتزام بالقانون الدولي..

في عالم السياسة الدولية، كل خطوة تُحسب بدقة، وكل تحرك غير محسوب قد يتحول إلى خطأ استراتيجي يضر بأصحابه أكثر مما ينفعهم. وهذا ما ينطبق تمامًا على محاولة أربعة نواب في البرلمان الأوروبي، برفقة اثنين من مرافقيهم، دخول مدينة العيون المغربية دون أي تفويض رسمي من مؤسستهم التشريعية، مدفوعين بأجندات إيديولوجية منحازة لأطروحة انفصالية تروّج لها الجزائر. فالحدث، رغم بساطته الظاهرية، يحمل أبعادًا سياسية ودبلوماسية عميقة، ويعكس أكثر من مجرد محاولة “زيارة”، بل هو جزء من استراتيجية تهدف إلى إحداث اختراق في الموقف الدولي من قضية الصحراء المغربية، لكن بأسلوب غير رسمي لا يُلزم الاتحاد الأوروبي، مما يوضح مدى هشاشة هذا التحرك ومحدودية تأثيره.

الحدث له ثلاثة أبعاد رئيسية: السياق الاستراتيجي، الأهداف الفعلية، والتداعيات الدبلوماسية. فمن حيث السياق، تأتي هذه المحاولة في وقت يشهد فيه الموقف المغربي بشأن قضية الصحراء زخمًا غير مسبوق على الصعيد الدولي، مع تزايد عدد الدول التي تعترف بمغربية الصحراء وتفتح قنصليات لها في مدنها الكبرى، فضلًا عن دعم قوى كبرى، مثل الولايات المتحدة، لمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل وحيد وواقعي للنزاع. وفي المقابل، نجد أن النظام الجزائري وحلفاءه يواجهون عزلة متزايدة، خاصة بعد التراجعات التي شهدتها المواقف الأوروبية تجاه القضية، حيث لم يعد الاتحاد الأوروبي قادرًا على تبني موقف رمادي يُرضي الجزائر من جهة، ويحافظ على علاقاته المتينة مع المغرب من جهة أخرى.

أما من حيث الأهداف الفعلية، فمن الواضح أن هذه المجموعة من النواب لم تكن تهدف إلى القيام بزيارة بروتوكولية أو استطلاعية، بل كانت تسعى إلى خلق سابقة سياسية يتم استغلالها لاحقًا في الحملات الإعلامية والتقارير الموجهة ضد المغرب. فمجرد دخولهم مدينة العيون كان سيُستغل كدليل على أن هناك “نزاعًا” وأن البرلمان الأوروبي “مهتم” به، رغم أن هذه الزيارة لم تكن رسمية ولا تحمل أي غطاء قانوني من المؤسسة الأوروبية. وبالتالي، فإن ما قام به المغرب لم يكن مجرد إجراء أمني أو إداري، بل كان إفشالًا ذكيًا لمخطط سياسي هدفه إضفاء الشرعية على رؤية انفصالية لم تنجح في فرض نفسها داخل المؤسسات الدولية.

التداعيات الدبلوماسية لهذا الحدث تصب في صالح المغرب، ليس فقط لأنه حافظ على سيادته، بل لأنه كشف أيضًا عن التناقضات داخل المؤسسة الأوروبية. فمن جهة، يسعى الاتحاد الأوروبي للحفاظ على علاقاته مع المغرب باعتباره شريكًا استراتيجيًا في قضايا الأمن، الهجرة، والتعاون الاقتصادي، ومن جهة أخرى، هناك نواب ينتمون لأحزاب هامشية يحاولون فرض أجنداتهم الإيديولوجية دون أي سند رسمي من بروكسل. هذا التناقض يجعل المؤسسات الأوروبية أمام اختبار حقيقي: إما أن تحافظ على نهجها المتوازن في التعامل مع ملف الصحراء وفق القانون الدولي، أو تترك المجال لهذه التيارات المتطرفة لتشوه صورتها كشريك موثوق.

أما على الصعيد المغربي، فإن هذه الحادثة أكدت مرة أخرى أن المملكة تتعامل مع ملف الصحراء بثقة وقوة، مستندة إلى الشرعية التاريخية والقانونية، وإلى تحالفات دولية متينة. فمن خلال منع هؤلاء النواب من دخول العيون دون ضجة أو تصعيد، قدم المغرب نموذجًا لدولة تحترم القانون الدولي، لكنها في نفس الوقت لا تسمح بأي تجاوز يمس بسيادتها. وهذا يعزز من موقعه التفاوضي في أي محادثات مستقبلية حول النزاع، لأنه يثبت أنه ليس في موقف دفاعي، بل يفرض قواعد اللعبة وفق مصالحه الاستراتيجية.

في المقابل، فإن هذه الحادثة تُظهر مدى تخبط خصوم المغرب، خصوصًا النظام الجزائري، الذي لا يزال يعتمد على تكتيكات قديمة أثبتت فشلها. فمنذ عقود، يحاول النظام الجزائري تدويل قضية الصحراء عبر وسائل ضغط غير رسمية، سواء من خلال مجموعات ضغط داخل أوروبا أو عبر تحريك شخصيات سياسية تدور في فلكه. لكن هذه الاستراتيجية لم تعد مجدية، لأن موازين القوى تغيرت، والمجتمع الدولي بات أكثر ميلاً لدعم الحلول الواقعية بدل المغامرات الأيديولوجية. ومن هنا، فإن فشل هذا التحرك ليس مجرد حادث عابر، بل هو دليل على أن المقاربة الجزائرية تجاه ملف الصحراء لم تعد تُقنع حتى أقرب حلفائها.

إضافة إلى ذلك، فإن التضخيم الإعلامي الجزائري لهذه الواقعة يعكس حالة من الإحباط السياسي أكثر مما يعبر عن انتصار دبلوماسي. فبدلًا من أن يكون الحدث ورقة ضغط ضد المغرب، تحول إلى دليل جديد على أن القضية الصحراوية لم تعد ورقة رابحة في المحافل الدولية. حتى داخل الاتحاد الأوروبي، لم يكن هناك أي تفاعل رسمي مع هذه الحادثة، لأن المؤسسات الأوروبية تدرك جيدًا أن هذا النوع من التحركات لا يمثل موقفًا رسميًا، بل مجرد مبادرات فردية ذات طابع أيديولوجي.

إن براغماتية التصرف المغربي جعلته يخرج أكثر قوة من هذا الحدث، لأنه لم يسمح لأي جهة بفرض أجندتها عليه، في حين كشف هذا التحرك عن نقاط ضعف خصومه الذين باتوا يلجأون إلى أساليب غير فعالة لمحاولة تحريك ملف لم يعد ضمن أولويات المجتمع الدولي. ومع استمرار الدينامية الإيجابية التي يشهدها الموقف المغربي دوليًا، فإن مثل هذه المحاولات لن تؤدي إلا إلى تعزيز موقع الرباط كفاعل إقليمي قوي يعرف كيف يدير قضاياه المصيرية بحكمة وصرامة في آن واحد.

 

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *