على فيسبوك وانستغرام ثوانٍ معدودات، وعلى اليوتوب دقائق محدودات؛ فرجة قصيرة للمتعة، وللبسمة، لا للاحتجاج ولا للصراخ في وجه أحد… هذا ما يصبو إليه المخرج والممثل محمد أشاور، عبر ثنائية افتراضية خاطفة… حكى طرائف ونادى بألو الوليد، ولم نتردد في قول ” ألو محمد أشاور”…
مخرج فيلم الحاجّات، قال كثيرا من “الحاجات”،في حوار بأصوات كل الأجيال، وبفصلين بارزين.
كما بدأ كل شيء بمشهد ثابت، نبدأ، وبمتحرك خارجي، نختم…
الفصل الأول: ” لست مؤثرا… هي طرائف”
زاوية واحدة، في ركن واحد بين الجدران، على كرسي أسود، يجانبه ضوء متوهج أبيض.
نظرة لعين الكاميرا ونظرات لغيرها، كل شيء يبدأ ب” عندما”، وعندما يتحدث محمد أشاور هكذا، يكون اللقاء:
ما الجديد؟
-جديدي؛ عرض “ستاند اب”، والمعروف بين الناس ب” لوامان شو”، وهو أول عرض لي من هذا الصنف؛ وقد عشت تجربة عرضه بشكل خاص، وما يدعى فنياً ب” الروداج”، وفيه تحاول أن تحسن منه، أن تضع الأصبع على نقائصه، وتجس نبض ردود فعل جمهورك المختار.
بينما جديدي في السينما، سيناريوهات أفلام، حاليا أحاول اختيار الأنسب منها لإخراجه في قريب الآجال، في غضون الأشهر المقبلة، يكفي أن تغادرنا فقط كورونا تلك.
وبالتأكيد؛ لدي مشاريع أخرى قادمة، تأخذ قالب الكبسولات، على مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك وانستغرام على وجه التحديد، وبعدهما اليوتوب بالطبع.
مخرج سينمائي وتلفزيوني في الفيسبوك، ماذا يعني ذلك؟
-يعني ذلك الحاضر والمستقبل!
أظن أن المنصات الرقمية، اليوم، هي المستقبل. فمنذ زمن، كانت القاعات السينمائية، والتي دون شك ستبقى، إنما بشكل آخر، وشأنها شأن التلفزيون، الذي ينهل أفكاراً ويستقطب مواهب من يوتوب وفيسبوك، باقتضاب؛ كل ما هو رقمي صار حاضراً وليس فقط مستقبلياً.
الفضاء الرقمي اشتد عوده جيداً، وهو ما يظهر جليا من خلال كبريات الشركات العالمية( ابل ونيتفليكس مثلاً)، بقوةٍ فرضت وجودها، وبمحتويات عديدة ومتنوعة.
فقد استوعبت أن الوسائط الكلاسيكية( دور سينما والمحطات التلفزيونية)، سُحب البساط من أسفلها، ومُشاهد اليوم، في حاجة إلى معلومة آنية تتجاوز الزمان والمكان، تعتلي شاشته أينما وجد، في مكتبه، أو بيته، في وسيلة نقل عمومية أو مقهى… وأيضا، ماتتيحه المنصات هذه من حرية… في الإنتاج، في الإخراج، وفي الخطاب أيضا.
فأحيانا ما لايقبله التلفزيون تقبله هي، والتفاعل مع المحتويات المقدمة لحظياً يصل.
هل كان المخرج محمد أشاور في حاجة إلى نشر محتوى من هذا القبيل، وفي هذا الوقت بالذات؟
-ربما كنت في حاجة لذلك!
شخصيا، كانت لدي حزم من الأفكار، لم أستطع التعبير عنها في التلفزيون أو السينما، لدواعٍ متعددة، يدخل في نطاقها الوقت، ثقل الإنتاج، والكثير…
خصوصا مَيْلي للكوميديا، ومع هذه الأيام والأشهر العصيبة على الكل، برز نوع من ” الكآبة العامة”، وبنظري هذه طريقة أُسهم بها في الترويح عن النفوس ونفسي، ولو ببصيص.
الكل من أجل أن ننسى قليلا أرقام الوباء، وباقي المشاكل ، والإرهاب، وأشياء أخرى أرهقت الناس.
الدافع شخصي وليس حديث عهد، وأظن أن المنصات التواصلية الاجتماعية، تمنحك فرصة التعبير عن نفسك، كما يفعل شباب اليوم، بمحتويات بسيطة لكنها تعتلي عرش المشاهدات داخل وخارج الحدود.
هل هي ممارسة مخرج في جبة المؤثر؟
– لا لست موثراً، ولو أنني أهزل بذلك أحايين قليلة، ولكنها ليست غايتي.
من يتحدث هو المخرج والممثل محمد أشاور، وفي الواقع لا أملك صبر المؤثرين ولا المتسع الزمني لفعل ما يفعلون!
أعبر عن أفكاري في كبسولات فقط!
لا! لا أريد أن يبلغ تأثيري أحد.
( يبتسم بخفة)
أ هو احتجاج مهذب؟
-أبداً! ليس احتجاجاً، إن كنت سأحتج، فسأحتج علناً، وبالمباشر، وليس لدي سبب للاحتجاج.
صحيح أن الظروف قاسية على الكل، بدرجات متباينة، لكن ربما على الإنسان أن يستفيد من أي لحظة في الحياة مهما تكن، وأن يعبر بارتياح وإيجابية عن كل ما يضني خاطره، سواءً في الشخصي أو المشترك، تماماً كمعضلة الوباء.
هناك الكثير من الأمور غير المرضية في ميدانَي الثقافة والفنون في المغرب، لكنّ رداً كهذا ليس برسالة في حياتي، وأظن أن ساعة الاحتجاج أو النقاش من اللزام أن يكون الكل حاضرا فيها.
ما أنشره منذ أكتوبر وقبله؛ تعبير بصري، واقتسام للحظات سِمتها التسلية، هي لحظات للمقربين من الأصدقاء والعائلة والمتابعين، من أجل البهجة والفرح والبسمة وكفى.
لماذا على الفيسبوك مواقف بدون عنوان؟ لماذا هي مفتوحة؟
-ببساطة، لأنني لا أريد قولبتها في عنوان.
وببساطة شديدة، هي أشبه بالطرائف( نكت)، لا أبتغي حصرها في إطار” رسمي مؤسساتي”، لا أريد حقا سلسلتها…
وألفت الانتباه هنا لأقول؛ أنه في بعض الأحيان تصلني رسائل، يظن أصحابها أنني أوجه القصد بنكتي هذه لأشخاص يشاركونني زمالة المهنة، أبداً، هذا ليس صحيحا بالفعل، لأن وقتي لا يسمح بذلك، وأنا في غنى عن الأحاديث الهامشية، هي مجرد مواقف من نسج الاحتمال والتخمين، ولم أحضرها قط، متخيلة ليس إلا؛ وقد تحدث! وأسطّر على ذلك بشدة.
أنا أحكي فقط عما يعاش في دهاليز الإخراج والتمثيل، بشكل عام وليس في جغرافية المغرب فقط.
اختصارا، الكبسولات بمنزلة سفيرة للإيجابية، ولا يمرر فيها خطاب، ووسمها ” غير ضاحكين”…
وعلاقتي بالمخرجين تتلخص في الود والاحترام.
إخراج وتمثيل فردي على صيغة المسرح الفردي، يصح قول ذلك؟
-ليس مسرحا فرديا، ولا أفضل تصنيفه.
ربما إذا عدنا للمشروع الجديد، الذي تحدثت عنه سلفا، ” ستاند اب” ثمة شيء ذلك، من النكتة طبعا، وعلى الطريقة الانجليزية المسماة ب” الجوكس”.
الفصل الثاني:” ألو الوليد قصة بيننا! وكورونا فيلم بين قوسين”
-هنا المتحرك؛ صور حميمة في المقهى، على أريكة غرفة المعيشة، في طاولة الطعام…هي صور لمحمد أشاور الإنسان في يومه العادي الاعتيادي، لكنها مجسدةٌ مفصولة عن الشخصي منها، هي اتصال بجيل سابق ولاحق.
وعودة للاتصال به:
انتقالاً لكبسولات ” ألو الوليد”، ألو الوليد لمن النداء؟
-النداء للجيل الذي سبقنا، للآباء والأمهات، الجيل الذي أتخمته المواد الإعلامية والرسائل الفيسبوكية، ومقاطع تطبيقات الرسائل الفورية، طيلة أشهر الوباء الماضية.
أرهقتهم الأرقام، وسببت لهم عناء نفسيا، وقُلبت موازينهم حتى في نقاش بعضهم البعض، ولم يتبيّنوا مصائرهم.
النداء لهم، فقد حملوا وتحملوا ما يكفي.
على سبيل الطرافة، الصوت صوتك في الأصل وليس للوليد، أ وحقاً؟
(يضحك بخفة…)
-لا أعرف!
بلى! إنه تقمص لشخصية أب من الآباء أو الأمهات على السواء، وبالمناسبة هي ليست تدوينا بصريا ذاتيا يخص محمد أشاور أو أباه، هي مجرد توليفة من الآباء وليس واحدا فحسب، من خلال ما التقطته أعيني من صور داخل كنف أسرتي أو لدى عائلتي، أو ما سمعته من بوح الأصدقاء.
هي جواب عن سؤال كيف يعبر الآباء في زمن الوباء…
هي صورة صريحة عن صراع فكري إيديولوجي بين جيلين.
في ” ألو الوليد” شخصية وحيدة في حالة فراغ وضجر ربما، ما منبع الاختيار؟
-في غالب الظن تواصل مشروخ بينهما…
هناك شخصية ” الوليد” التي تحاول التعبير عن نفسها، وشخصية الابن الذي لايقوى على تجاوز حدود مرسومة في اللباقة واللياقة والاحترام، وكلٌ مردُّه ثقافتنا وتربيتنا المحدودة أيضا هنا..
هو يسأم من حديث هاتفي، ثوانيه كليلة، لأنه لا يتفق مع مجمله، ولأنه لا يستطيع الرد على أبيه، وطبعا يقينه بأنه صعب إقناعه.
” نوكيا پيل وسمارت فون”
هي نفس القصة؟ انقسام أجيال في رؤيتك؟
-جيد! هو دليل على صراع الأجيال، مشكل أزلي ليس وليد الحال، والغاية ليست أن نظهر المصيب مِن المخطئ، بل أن نصور بعين كوميدية هذا الصراع الدائر، صراع يتمدد مهما تحرك الحال، وكوميدياً، هو منبع للكثير من المواقف المثيرة للضحك حتى وإن كانت في باطنها غير هذا النعت.
الأهم ألا تنجلي مواقع الجمال في علاقة الأب بابنه.
ارتباطا بزمن الوباء، المركز السينمائي المغربي طلب من ستة مخرجين توثيق لحظاتهم أثناء فترة الاحتواء. هل لاستثنائك،مثلاً، علاقة بنشاطك هذا على الفيسبوك؟
-بوضوح؛ المركز السينمائي لا يمكنه دعوة المخرجين أجمعين. هذا مستحيل، ولا أشعر باستثناء، لأن الإبداع ليس رهين جهة تدعمه، الفنان وإن كان رساما أو شاعرا أو نحاتا، إبداعه يتمخض جوابا على حالة يحياها هو. وليس بطلب!
أما عن إنتاجاتي، ففيلمان اثنان في جعبتي، خارج نطاق المركز السينمائي المغربي، الأول فيلم قصير، عمره أربع دقائق، موضوعه كورونا، وعرض على منصة مغربية، وبتعاون مع منصات في بلد الدنمارك، وكانت ردود الفعل حسنة وجميلة.
أخرجت كذلك فيلما قصيرا في إطار جماعي، مع ثلة من المخرجين، أنتجته لمياء الشرايبي؛ فيلم قصير ضمن سلسلة أفلام قصيرة معطوفة على بعضها في شريط واحد.
وعودا على بدء، ننتظر نحن والعالم أن نشاهد كل الأفلام لأن هذا هو المقصد بالنهاية.
إن اعتبرنا فترة الجائحة فيلما والعالم كله بطله. ما العنوان الذي تقترح؟
-سؤال جميل وصعب!
” بين قوسين”، هكذا أسميه
الوباء وضع العالم بين قوسين، وكل من على كوكب الأرض كان بين قوسين.
داخل القوسين حقاً!
بلسان وعين وقلب المخرج، كورونا في كلمات؟
-” عطينا غير بالتيساع” ( فلتغادرينا)
( يختم بضحكة أخف…)