نوفل البراوي ” ابن البحر”: لا نريد ” كونجي” في الفن ومسألة الدعم مجرد سوء فهم

نوفل البراوي ” ابن البحر”: لا نريد ” كونجي” في الفن ومسألة الدعم مجرد سوء فهم

- ‎فيمنوعات, واجهة
ADF356B4 D821 41FE 902C 0D70C049891A
إكسبريس تيفي

أي بوح للمخرج نوفل البراوي في زمن الوباء، في زمن البعد والابتعاد.
أي صوت يتردد صداه في كيانه، أي رجع وأي صدع أيّان الأيام هذه…
أي رؤية وأي طريق…
نوفل البرواي، الذي اشترى “الكبش” في “يوم وليلة”، وزف الخبر في موكب ” العريس”، ودعا أخيراً ” المفتش معقول”، الذي كان “رجلا فوق كل الشبهات”…
بحر وكاميرا، وقد اكتملت لديه أشطر الصورة، الصورة التي تُركب أمام ضوء كاميراه لغيره فقط، وهو الباحث عن ضوء آخر!

في حوار بجيئة ورجعة، ندخل آسفي من قلب المخرج والإنسان، ندخل الحوار عبر خمسة أبواب متخيلة، سؤالان لكل باب، مفتوحان على الماضي والقادم…

 

باب الطريق…

نوفل البراوي بعد ” الكونجي” إلى أين الوجهة حقاً؟

( الكونجي آخر ما أعيد عرضه على شاشة تلفزيون الأولى)
-في الحقيقة، على عتبة الوجهة، لدي أمنيتان؛
أتمنى ألا يُفرض علينا ” كونجي” آخر حقيقي، دون إرداة أو طوع، أتمنى ألا تكون “عطالة فنية”، خاصة في زمن وبائي أضنى العالم.
مهن الفن تأثرت كثيرا، طريقة العمل صارت أصعب تماماً من ذي قبل، صعبةٌ نفسيا واحترازيا… لنتخيل مثلاً
كيف لممثل أن يتقمص دوره، وأن يتماهى في عوالم شخصيته، في مشاهد مشتركة، بتباعد اجتماعي!
عودا على بدء، أتمنى أن تنجلي عنا الجائحة، كي نعود للعمل بالصورة الطبيعية، كالزمن الذي مضى
هو حلم صغير سهل وليس سهلا!

8D51C8F5 2BCF 418A 8225 0F405DF5E7B7

في ” الكونجي” شيء غير مألوف عن أفلامك؛ شيء من road movie- فيلم الطريق؛ لماذا هذا الاختيار؟

– “حكاية محتالين صغار”، من هنا بدأت الفكرة، من هذه الحكاية البسيطة بدأ فيلم الكونجي، وقد استهوتنا- أنا وكاتب السيناريو يوسف فاضل- كثيراً، وجاء قرارها…
وفي الواقع، هي فكرة جديدة في مسارنا، ولم تكن رائجة كثيراً في الدراما المغربية، هي إذا مقتبسة من إطار عام، وهذا هو السائد لدى المخرجين كافة، لكن بين صور الفيلم يحضر أسلوب المخرج، فيبني قصته بروحه، وهكذا يصير الفيلم فذاً مختلفاً.

باب الحكاية…

من يوم وليلة إلى المفتش معقول، سبعُ سنوات في الظل… لما طال الفاصل؟
– في الحقيقة، يتوسط مدة عرض “يوم وليلة” و” المفتش معقول”، فيلمان اثنان، ” شريط العريس”، وفيه جسدت دوراً تمثيليا وإنتاجيا في الآن نفسه، كنت مديرا للإنتاح وقد طبعت هذه المهمة أيضا مساري الفني.
وفي الأعقاب أخرجت فيلم “العطسة”، الذي خطّ سيناريو فصوله يوسف فاضل، وبعده ” الكونجي و ” المفتش معقول”.

رجل فوق الشبهات والمفتش معقول… 
هل هما توأم مختلف؟(يتشابهان في ملامح القصة)
-بالفعل، ثمة تشابه بين شخصية المحقق في فيلم ” المفتش معقول” وفيلم ” رجل فوق الشبهات”، ومردُّ ذلك أن الفكرة تمخضت منذ زمن، تواقتاً مع ” رجل فوق الشبهات”. لقد كان الطموح أن تصير سلسلة حلقات، كنا قد صممنا مقاسات شخصياتها على الورق، ونسجنا أحداث الحلقات وحبكتها، لكن للأسف لم يمض المشروع في سكة السلسلة، وفي يومٍ ماضٍ، سحبنا من جديد قصة من تلك القصص، من على الرفوف، وأعدنا تركيبها من جديد، وكانت النتيجة ” المفتش معقول”.

5A27F8B7 490D 46C0 BD22 039A2EE5AE94

باب البحر…

من نفس الملامح، ” قصبة الصيد”، لماذا أبطال نوفل صيادون في العادة؟

– البحر على الدوام في أفلامي!
في شريطي الأول” الكبش”، مدينة الوليدية الشاطئية كانت مسرحا بصريا لمشاهده، المدينة التي كنا نقصدها صيفا نحن العائلة في سنواتي الأولى من أجل عطلة تخييمية صغيرة، هي المدينة التي تقرب آسفي مسافةً، هنالك حيث أطلقت صرختي الأولى، ومرادف آسفي بحرها وميناؤها… ألقب نفسي ب” ولد البحر”، هو عشقي، وعلى جنباته أكسب ارتياحي، وهكذا يحضر الصيادون في عالمي، وفي رصيدي البصري، من خلال ما شاهدته من صور لصيقة بمدينة آسفي وضواحيها، ومن محاسن الصدف أن يوسف فاضل محب للبحر، فنلتقي سوياً في هوى البحر ويُترجم ذلك صوراً في الأفلام.

سيناريوهات يوسف فاضل…أ هي ألفة أم في نظر نوفل براوي تُحفة؟

D37ED864 9E9A 4540 AA65 30C220CF264D

– في الحقيقة، يوسف فاضل تحفة قبل كل شيء، وألفة بعد ذلك، وأتذكر ملياً لقاءاتنا الأولى، التي أعتز بها وبعظيم شرف، فقبل أن تبنى دروب الصداقة، كنت الطالب المحب لرواياته ومسرحياته، وفي نظري هو رمز من رموز الأدب العربي وليس فقط المغربي…
روائي كبير ومسرحي كبير، ألّف قطعا مسرحية مهمة، نذكر في المقام “حلاق درب الفقراء”، قصة ألهمت المخرج محمد الركاب وأخذها اقتباسا في الفيلم الحامل لنفس الاسم، ” الكيرة”( الحرب)، ” جرب حظك مع سمك القرش” والكثير…
حقاً أغنى المخزون المغربي بمسرحياته.
هو من أخيلة الأدباء والمسرحيين الذين قرأت لهم بنهم وشغف.

بعد أن تخرجت، أقمت بالدار البيضاء، وأشرفت على الإدارة الفنية للفرقة الجهوية بذات المدينة، وربطت الاتصال بيوسف فاضل لقاءَ عمل مشترك، وكذلك أُخرجت للوجود ” مسرحية الكابران بوعودة”، الناجحة في زمانها.
من هنا بدأت حكاية صداقة رافقتنا سنين، صداقة ألفة ومحبة، لقاءاتها يومية، نعيش بتلاحم أسري وأخوي، حتى العطل يطبعها الحس العائلي، وبهذا التفاهم المحبوك، يدرك كاتب السيناريو يوسف فاضل جيدا حبكتي، أسلوبي، وذوقي.
نحن حقا إخوة في الروح والحياة والعمل…

باب “الرحمة”…

“خريف فني” تساقطت فيه الأوراق مؤخرا؛ محزن هو، لكن إن طلبنا المُفرح، برؤية المخرج، ماذا يكون؟

-خريف فني مليء بالمآسي، عالميا أو محليا على السواء، نفقد فيه وجوهاً، أسماءً، أصدقاءً، هم من ساروا معنا في الدرب، سبقونا في دروب الفن، هم كبار وكانوا إخوة كباراً، كانوا آباءً بحق…
ودعناهم في ظرف ليس كباقي الظروف، في زمن جائحة ووباء أنهك النفوس، وصارت التعازي فيه تُقدم بعيدةً مسافات، تلقى عبر سماعات الهواتف أو عبر شاشات الحواسيب، في فضاء شبكي اجتماعي.
علاقاتنا الإنسانية التي كانت حقيقية، أصبح أغلبها بين ليلة وضحاها، افتراضيا، بسبب التباعد وعدم تيسر فرص السفر في سابق صورتها طبيعية.
مواساة صديق، عيادة صديق، لقاء صديق، كل الأشياء هذه ضاعت !
في غمرة هذا كله، لا بد من أمل دون فقدانه، وأملنا قاطبة أن نتغلب على هذه الظروف، أن يعوض كل واحد منا هذا العزل الصحي إبداعيا، عبر تجديد أفكاره وأعماله، أن يشحنها بانفعالات جديدة، بقراءات جديدة، بنفس ودم جديد، بزخم فني وأدبي وإبداعي جلل !
وإنه لوقت منته لا دائم أبد الآبدين…

بعاطفة الحنين، آسفي، بما تخبرك دروبها حاليا، وأي فيلم تستحق واقعاً؟
– آسفي الميلاد، آسفي أصل الأب والأم والأصول، هي شريط طويل من ذكريات طفولية، وشبابية بالطبع، حاضرة في الوجدان بآثارها وعمرانها وبحرها، بعوالمها وشخصياتها “الأسطورية” المضحكة الملهمة، الشعبية البسيطة، لكنها وشمت خيال نوفل البراوي إنساناً أولاً، وفناناً ثانياً…
المؤسف له أنها لا تعيش ما تستحقه، مدينة زاخرة بالكثير، تستحق حياةً أفضل وأجمل مما هي عليه، ليبقى شبابها في أحضانها، دون هجرانها، طلباً لعمل… ولأجل فنها أيضا لا بد من وقفة.
هي الآن مدينة تتمدد، على أرضها معامل للفوسفاط وغيره ومنشآت اقتصادية، ورغما عن ذلك تفتقد لأبسط ظروف الصحة!
لا يوجد مستشفى جامعي مثلا، في مدينة ميناؤها ذاع صيته عالميا،
وليس هذا فقط، بل صارت تختنق بفعل التلوث البيئي، وهذه عموما ضريبة الصناعة، وهنا حاجة سكان آسفي ملحةٌ لفضاء صحي يستوعبهم، من أجل شفاء كامل.
المستشفى الأكبر في مدينة آسفي، تركه الاستعمار الفرنسي وبقي إلى الآن، وهناك أصوات بالمدينة تنادي بمستشفى جامعي وصوتي من صوتها، خصوصا في زمن وبائي كهذا حيث الموت متربص حقيقي وهش هو التجهيز الصحي.
وإن كان فيلما عن وبآسفي، فما ذكرته يصلح أن يكون كذلك، الموضوع الصحي بالذات، ولو أنه صعب نفسيا وانفعاليا، لكن من خلال المعالجة الدرامية قد نرى وجهه الإنساني أكثر.
( يبتسم …)
وهناك فيلم يحضرني دوما في مخيلتي، في قالب السيرة الذاتية، عن آسفي تلك، آسفي الطفولة وحواريها وأزقتها…
سيكون فيلما جميلاً كوميديا بالتأكيد!

باب مفتوح…

اقترح سؤالا من لدنك وقدم ما تشاء من جواب!
هي أمنية ورجاء…
صوت أتمناه أن يصل، وأن يجذب الجميع النظر إليه، صوت الفنان المغربي الذي يعيش ظروفا عصيبة عصية جداً، والمقصود الأول فنانو المسرح، فقد توقفوا عن عملهم منذ مارس الفائت، وما يصلهم من إعانة قد لا يكفي، ولايدرون ما الأفق وما المنتهى…
لا بد من التفكير فيهم، دون تركهم على الهامش، منهم رب الأسرة ومعيل العائلة، والمغترب عن مدينته، حيث الفرقة المسرحية المنتمي إليها، لذلك لا يجب نسيان هؤلاء، فهم منّا ويدفعون عرق الجبين ثمناً…
وفي المنوال، من واجب الاستيعاب، أن يُفهم الدعم على أنه لا يُدفن في جيوبهم، وليس غنيمة للتقاسم، إنما هو- على هزالته- مساعدة تخضع لجملة من الضوابط والشروط والالتزامات من أجل عمل مسرحي فقط، ويقدم في شكل طلبات عروض وملفات تخضع لدراسة وتمحيص.
وبصراحة هناك سوء فهم في هذا الموضوع، يُظن به ظن آخر…
أولئك الفنانون يستحقون أكثر من دعم، موهوبون ولفنهم دارسون، فليس بالإمكان أن نُبخس صورتنا وفننا، فمجتمع بلا ثقافة وفن هو مجتمع بلا هوية.
والأستاذ والطبيب كالفنان والأديب!

 

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *