إكسبريس تيفي _ متابعة
استفادت القارة الإفريقية من تحويلات مالية بقيمة 80.60 مليار دولار من الجاليات الإفريقية في العالم، وهو رقم عرف انخفاضا حادا بنحو 17 %، خاصة بسبب انخفاض تحويلات الجالية المصرية. ولهذه الأموال آثار إيجابية على الاقتصادات الإفريقية كما يتضح من النسبة التي تمثلها في الناتج الداخلي الخام لبعض البلدان، وهي أيضا مصدر للعملة الأجنبية ودعم للأسر المستفيدة.
وفقا لمذكرة إخبارية للبنك الدولي بشأن الهجرة والتنمية، فقد سجلت تحويلات المهاجرين إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في عام 2023 زيادة متواضعة بنسبة 0.7%، لتصل إلى 656 مليار دولار.
لكن على مستوى القارة الإفريقية، سجل تراجع واضح في هذه التحويلات بنسبة 16.90%، إذ بلغت 80.60 مليار دولار، مقابل 97.5 مليار دولار خلال سنة 2022. وهو انخفاض حاد يعود بالأساس إلى تراجع تحويلات الجالية المصرية بنسبة 45.13%، إذ انتقلت التحويلات من 28.30 مليار دولار إلى 19.5 مليار دولار. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الأرقام بعيدة كل البعد عن أن تعكس الواقع لأن تحويلات كبيرة تمر عبر طرق موازية، وخاصة في إفريقيا جنوب الصحراء، وبالتالي فهي غير مدرجة في الإحصائيات الرسمية. وهذا يعني أن حجم التحويلات من المغتربين الأفارقة لا يعكس المبلغ الحقيقي للتحويلات من المهاجرين الأفارقة.
وفي ما يتعلق بالتحويلات حسب الجهات، بلغت قيمة التحويلات الموجهة إلى شمال إفريقيا (المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان وجيبوتي) 36 مليار دولار سنة 2023، بانخفاض نسبته 19.10%. وباستثناء المغرب والجزائر حيث سجلت التحويلات ارتفاعا، عرفت التحويلات إلى جميع البلدان الأخرى في المنطقة تراجعا ملحوظا.
أبرز انخفاض هو الذي سجلته مصر، إذ تراجعت تحويلات جاليتها البالغة أكثر من 10 ملايين مصري يعيشون في الخارج بنسبة 30.85%، مسجلة 19.5 مليار دولار عام 2023، مقابل 28.30 مليار دولار خلال سنة 2022. إلا أن هذا الانخفاض يجب أن يأخذ بنوع من الحيطة. فبحسب البنك الدولي، «من المرجح أن تكون التحويلات قد تمت عبر قنوات غير رسمية نظرا للفجوة الواسعة بين أسعار صرف العملات في أسواق الصرف الأجنبية الرسمية والموازية». وهكذا، أدت أزمة العملات الخطرة التي شهدتها البلاد عام 2023، إلى تطوير سوق موازية للصرف الأجنبي، حيث بلغ سعر الصرف ضعف سعر السوق الرسمية تقريبا. وهي الوضعية التي دفعت العديد من المصريين الذين يعيشون في الخارج إلى اختيار هذه السوق الموازية التي تؤدي إلى تضخم الدخل المحول إلى البلاد بالعملة المحلية. ففي الوقت الذي كان فيه سعر صرف الدولار الواحد يساوي 30 جنيها مصريا في السوق الرسمية، وصل سعر الدولار نفسه في السوق الموازية إلى 70 جنيها. وهو ما يعني أن الفرق في الصرف البالغ 40 جنيها يجعل أن المبالغ الكبيرة التي يحولها المهاجرون لم تعد تمر عبر القنوات الرسمية، وبالتالي لم تعد مسجلة لدى البنك المركزي المصري. وهو ما يفسر هذا الانخفاض الحاد في التحويلات المسجلة عبر القنوات الرسمية.
وعلى المستوى الجهوي، ارتفع حجم تحويلات الجالية المغربية بنسبة 5,36%، إذ بلغت 11.8 مليار دولار، وهو ما يعادل 8.2% من الناتج الداخلي الخام للمملكة.
وخلافا للبلدان الأخرى، تمر جميع التحويلات تقريبا في المغرب عبر القنوات الرسمية، ويرجع ذلك على وجه الخصوص إلى غياب السوق الموازية وتطور السوق البنكية مع وجود البنوك المغربية في البلدان المضيفة لهذه الجالية.
وارتفعت تحويلات المهاجرين الجزائريين بنسبة 5.55%، وبلغت 1.9 مليار دولار. ومع ذلك، فقد انخفض هذا الرقم بشكل كبير بسبب كون جزء كبير من تحويلات جالية هذا البلد المغاربي تمر عبر طرق موازية بسبب الفارق الكبير في الصرف بين سوق العملة الرسمية والموازية في بورصة بيع العملات الأجنبية في ساحة «بور سعيد». وفي حين أن سعر صرف الدينار مقابل الأورو هو أورو واحد مقابل 145 دينارا في السوق الرسمية، فإن دولارا واحدا يمكن أن يجلب 240 دينارا جزائريا في السوق الموازية. وبالتالي فإن جزءً كبيرا من الجالية الجزائرية يفضل المرور عبر هذا السوق لرفع حجم تحويلاتهم بالعملة المحلية. أما بالنسبة لتونس، فقد انخفض حجم التحويلات من الجالية التونسية بشكل حاد، وفقا لمعطيات البنك الدولي، بنسبة 17% إلى 2.7 مليار دولار.
في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، بلغت التحويلات 54 مليار دولار، بانخفاض طفيف بنسبة 0.3%. وتأتي نيجيريا، بجوار مصر، في صدارة تحويلات القارة بـ19.5 مليار دولار، بانخفاض 3 %، تليها غانا (4.6 مليار دولار)، وكينيا (4.2 مليار دولار)، وزيمبابوي (3.1 مليار دولار)، والسنغال (2.9 مليار دولار)، وجمهورية الكونغو الديمقراطية (1.4 مليار دولار)، وأوغندا (1.3 مليار دولار)، ومالي (1.2 مليار دولار). وتتلقى هذه البلدان الثمانية أكثر من 70 % من التحويلات المالية الموجهة لمنطقة جنوب الصحراء.
ولهذه التحويلات المالية آثار إيجابية على الاقتصادات الإفريقية. فهي تشكل دعما مهما للأسر المستفيدة وتساهم بشكل كبير في ميزانيات العديد من الأسر، وتعليم الأطفال، وتطوير المشاريع الصغيرة…
وبالنسبة للدول، تشكل هذه التحويلات مصادر حقيقية للعملة الأجنبية، وهي ضرورية لاحتياطيات النقد الأجنبي للعديد من البلدان في القارة. والبلدان الأكثر اعتمادا على التحويلات من جاليتها هي غامبيا وليسوتو وجزر القمر وليبيريا والرأس الأخضر، حيث تمثل التحويلات على التوالي 23.3% من الناتج الداخلي الخام، و21.9%، و21%، و18.2%، و12.5 %.
وأخيرا، وفي ما يتعلق بتكلفة تحويلات المهاجرين، على مستوى منطقة شمال إفريقيا، فقد تراجعت بـ5.9% في الفصل الرابع من 2023، مقابل 6.7% قبل عام، مما يعكس انخفاضا قدره 73 نقطة أساس. ومن ناحية أخرى، في إفريقيا جنوب الصحراء، لا تزال التكلفة مرتفعة. لتحويل 200 دولار، كان المعدل 7.9% على مستوى المنطقة، وهو من أعلى المعدلات في العالم. وفي بعض البلدان تكون هذه التكلفة مكونة من رقمين. وهي وضعية تشجع على استخدام السوق الموازية لتحويلات المهاجرين.