باحدة عبد الرزاق
خلال عام 2024، اتجهت أكثر من 360 شركة إسبانية نحو اتخاذ قرار استراتيجي بنقل أنشطتها إلى المغرب. كانت هذه الخطوة مدفوعة بجاذبية تكاليف اليد العاملة، التي تقل بنسبة 40% عن نظيرتها في إسبانيا، إلى جانب الحوافز الضريبية المغرية، والبنية التحتية المتطورة، والاستقرار السياسي الذي تتمتع به المملكة، إضافة إلى موقعها الجغرافي المثالي.
هذه الحركة الكبيرة، التي ساهمت جائحة كوفيد-19 في تسريع وتيرتها، مكنت هذه الشركات من تحقيق توفير يصل إلى 100 مليون يورو سنويًا في الرسوم الجمركية.
مع ارتفاع صادرات النسيج المغربي إلى أوروبا، والتي بلغت قيمتها 4 ملايين دولار في عام 2023، يرسخ المغرب مكانته كعنصر استراتيجي في سلسلة التوريد الأوروبية.
في هذا السياق، اختارت شركات كبرى مثل “إنديتكس” و”رونو” و”ستيلانتيس” توسيع أو نقل جزء من إنتاجها إلى مناطق أقرب من الأسواق الاستهلاكية، وهو توجه يُعرف باسم “إعادة توطين الشركات” أو “القرب من الأسواق”.
ذكرت وكالة “إيفي” الإسبانية أن تزايد أعداد الشركات الإسبانية المهتمة بالاستثمار أو فتح فروع في المغرب يعكس ديناميكية “إقامة الأعمال مع الأصدقاء والشركاء”. كما أشارت شركة “ميرسك” الدنماركية، إحدى أكبر شركات نقل الحاويات البحرية في العالم، إلى أن 4% من الشركات الأوروبية تعتبر المغرب موقعًا بديلاً للتوريد في إطار استراتيجيتها لتقصير وتنويع سلاسل التوريد.
في هذا السياق، صرحت شركة “إنديتكس” الإسبانية لوكالة “إيفي” بأن نموذج أعمالها يعتمد على الإنتاج القريب من الأسواق، مما يتيح لها الاستجابة بسرعة وكفاءة للطلب والتكيف مع المعايير الاجتماعية والبيئية الجديدة، مشيرة إلى أنها توفّر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لأكثر من 94,563 عاملًا في المغرب.
يُعد قطاع السيارات مثالًا بارزًا على “إعادة توطين الشركات”، حيث استقرت العديد من شركات تصنيع مكونات السيارات في المغرب، مدعومةً بوجود مصانع كبرى لشركات مثل “رونو” في طنجة و”ستيلانتيس” في القنيطرة، مما جعل هذا القطاع قائدًا لصادرات الصناعة المغربية على مدى العقد الماضي.
الأمر ذاته ينطبق على القطاع الصناعي الجوي، حيث استثمرت مجموعة “أسيتروري” الإسبانية في مصنع جديد بالدار البيضاء في نهاية عام 2023، ليصبح مركزًا للإنتاج الجوي في منطقة النواصر، بجوار شركات مثل “سافران ناسيليز” و”بومباردييه” و”هيكسل” و”تاليس”.
وفقًا لوثيقة نقاش حول الاقتصاد المغربي نُشرت في عام 2023 من قبل البنك الدولي، يمتلك المغرب خصائص فريدة تجعله وجهة جذابة لإعادة توطين الشركات. ومن بين هذه الخصائص الوصول السريع للأسواق الأوروبية والأسواق العالمية الأخرى عبر شبكة واسعة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة وبنية تحتية حديثة. يتصدر ميناء طنجة المتوسط هذه البنية التحتية، حيث يرتبط بميناء الجزيرة الخضراء الإسباني، والذي بدوره يتصل بمدينة سرقسطة الإسبانية، التي تحتضن أكبر مستودعات لشركات كبرى مثل “إنديتكس”، “ميركادونا”، و”أمازون” في أوروبا، مدعومةً بشبكة سكك حديدية تربطها بعدة موانئ أخرى.