متابعة
كشفت مؤسسة “Fitch Solutions” أنه على الرغم من التطورات الأخيرة في مجال تحلية المياه، فإن الاعتماد الكبير للزراعة المغربية على الأمطار (حوالي 80% في عام 2022) يجعل من الصعب تحقيق قفزة نوعية في إنتاجية القطاع الزراعي. وحتى مع توفر المياه المحلاة، فإن غياب البنية التحتية اللازمة لنقل وتوزيع هذه المياه يحد من قدرتها على تغطية الاحتياجات الزراعية المتزايدة.
وبالنظر إلى مساهمة الزراعة بأكثر من 50% من القيمة المضافة في القطاع الزراعي، فإن زيادة سعة تحلية المياه وتخصيصها للري سيكون له عوائد اقتصادية كبيرة. كما أن هذا الإجراء سيساهم في تحقيق الأمن المائي، حيث سيقلل من الاعتماد على مصادر المياه التقليدية، ويحد من تحويل المياه من الزراعة إلى الاستخدامات الأخرى خلال فترات الجفاف.
وحسب “BMI”، فإنه في إطار جهودها لتعزيز الأمن المائي، ستقوم الحكومة المغربية بشراء تكنولوجيا متطورة لتحلية مياه البحر بقيمة 27.5 مليون دولار أمريكي، مشيرة إلى أنه تم توقيع اتفاقية الشراء في أغسطس 2024 مع الشركة الأمريكية “إنرجي ريكوفري”.
وتهدف هذه الاستثمارات إلى زيادة قدرة المملكة على تحلية مياه البحر، وذلك انسجاماً مع استراتيجيتها الرامية إلى تغطية 50% من احتياجاتها من المياه العذبة من خلال هذا المصدر بحلول عام 2030.
هذا، وشهد القطاع الزراعي المغربي تدهورًا ملحوظًا بسبب ندرة المياه، حيث انخفض إنتاج القمح، على سبيل المثال، من 7.5 مليون طن في موسم 2021/2022 إلى 2.7 مليون طن في الموسم التالي، أي بنسبة تزيد عن 60%. هذا الانخفاض الكبير أدى إلى تراجع حاد في نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح، من 71.8% إلى 27.1%، مما زاد من اعتماد البلاد على الاستيراد لتلبية احتياجاتها الغذائية.
وأوضح التقرير أنه سيتم دمج التكنولوجيا المتقدمة التي وفرتها شركة “إنرجي ريكوفري” في العديد من مشاريع تحلية المياه التي يجري تنفيذها حاليًا في مختلف مناطق المغرب. ومن المتوقع أن تساهم هذه المشاريع في زيادة إنتاج المياه الصالحة للشرب بأكثر من مليون متر مكعب يوميًا، أي ما يعادل زيادة بنسبة 189% مقارنة بالسعة الحالية التي تقدر بحوالي 0.53 مليون متر مكعب يوميًا.
وسيستفيد قطاع السياحة بشكل كبير من مشاريع تحلية المياه التي ستنفذها الحكومة. كما يتوقع أن تساهم هذه المشاريع في رفع القيود المفروضة على استخدام المياه في هذا القطاع، مما سيمكنه من التوسع والتطور. ووفقًا للمخطط الوطني للمياه، ستوجه غالبية المياه المحلاة لتلبية احتياجات المدن الكبرى من مياه الشرب، مع تخصيص جزء منها لدعم القطاع الزراعي.
وسجلت المؤسسة معاناة القطاع السياحي، الذي يساهم بحوالي 7% من الناتج المحلي الإجمالي، من ضغوط متزايدة بسبب ندرة المياه، خاصة في مناطق مثل الدار البيضاء والرباط. ما أدى إلى تأثر المرافق السياحية العامة والخاصة. إلا أنه وبفضل الاستثمارات المستهدفة في مجال التحلية، بدأت تظهر نتائج ملموسة، خاصة مع نجاح محطة تحلية أكادير، التي تم تشغيلها عام 2021، في تأمين إمدادات المياه لهذه المدينة السياحية.
ويعتبر الاستثمار الحكومي المستهدف واستقرار المغرب السياسي النسبي إيجابيين لمخاطر ندرة الموارد في مؤشر ESG الخاص بنا للدول، حيث يتفوق المغرب على معظم الأسواق الأخرى في شمال إفريقيا. كما أن هذه المخاطر ستظل دون تغيير كبير في السنوات القادمة، مما يعني أن ندرة المياه ستظل تشكل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد.
ورغم الأمطار الموسمية والفيضانات التي شهدتها بعض المناطق، اعتبرت المؤسسة أن التغيرات المناخية ستظل تمثل تهديداً مستمراً لموارد المغرب المائية. إذ أنه حتى بعد الأمطار الغزيرة التي هطلت في أواخر أغسطس، بلغت نسبة امتلاء السدود حوالي 27.4% فقط، ما يؤكد أن جميع القطاعات الاقتصادية، وخاصة الزراعة، ستظل تواجه تحديات كبيرة بسبب ندرة المياه.
ووفقًا لمؤشر ESG للدول، يُتوقع أن يواجه المغرب، مثل دول شمال إفريقيا الأخرى، تحديات كبيرة بسبب تغير المناخ، وعلى رأس هذه التحديات ارتفاع درجات الحرارة وتقلبات في أنماط هطول الأمطار. ورغم هذه التحديات، إلا أن قدرة المغرب على مواجهة الكوارث الطبيعية تُعتبر أفضل من ليبيا، وذلك بفضل مستوى البنية التحتية المتشابهة مع الدول الأخرى في المنطقة.
وتشير التوقعات الصادرة عن المؤسسة، التابعة لأبرز وكالات الائتمان العالمية، إلى أن المغرب سيظل معرضًا لمخاطر كوارث طبيعية أكبر مقارنة بالسنوات الماضية، مثل عامي 2018 و2019، ما يدل على أن الاقتصاد الوطني يواجه تهديدًا متزايدًا بسبب هذه الكوارث.