كل الدراسات السوسيواقتصادية تؤكد أن ملف البطالة يعتبر من أكثر الملفات تعقيدا وحساسية بالنسبة لحكومات دول العالم، التي تهتم بمستقبل بلادها وتسعى لتعميم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
إذا كانت البطالة ترتبط بشكل كبير ومباشر بتوفير فرص العمل، وأهمية جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية لتحريك عجلة الاقتصاد وتنشيط النسيج الاقتصادي، فإن واقع ارتفاع معدل البطالة في المغرب يدعونا للتوقف والتأمل. نحن بحاجة إلى طرح عدة تساؤلات لتحديد مواطن الخلل، وتحميل المسؤولية للجهات المعنية، من فاعلين سياسيين واقتصاديين.
وحسب النتائج التفصيلية للإحصاء الذي أجري في بلادنا مؤخرا، والتي أعلن عنها السيد شكيب بنموسى، المندوب السامي للتخطيط، يوم الثلاثاء 17 ديسمبر 2024، فقد شهد معدل البطالة ارتفاعا ملحوظا وصل إلى 21.3%.
هل يمكن اعتبار هذا الارتفاع مؤقتا وظرفيا، من السهل التغلب عليه، وبالتالي خفضه إلى مستوى معقول؟ أم أن الأمر بمثابة رسالة وإنذار للحكومة بضرورة اتخاذ التدابير الاستباقية اللازمة لتدارك الوضع، واستعادة الثقة لدى المواطن المغربي بشأن مستقبل الاقتصاد ومستقبل الشباب؟
وفقا لنفس المصدر من المندوبية السامية للتخطيط الذي اعتمد على نتائج الإحصاء، فإن معدل البطالة البالغ 21.3% يختلف بين الجهات، وبين النساء والرجال، مما يفرض علينا الوقوف عند سياسة العدالة المجالية وتحقيق التنمية الاقتصادية دون تفاوتات جهوية أو تهميش.
هذه التفاوتات تتجلى في الأرقام التالية لمعدل البطالة:
- جهة كلميم واد نون: أكثر الجهات المتضررة من البطالة بنسبة 31.5%.
- جهات الشرق: بنسبة 30.4%.
- جهة بني ملال خنيفرة: بنسبة 26.8%.
- جهة العيون الساقية الحمراء: بنسبة 26.6%.
- جهة الدار البيضاء سطات: بنسبة 18.8%.
- جهة الداخلة وادي الذهب: بنسبة 10.6%.
أما بالنسبة لتفاوت معدل البطالة بين النساء والرجال وبين المناطق الحضرية والقروية، فقد أسفرت عملية الإحصاء عن الآتي:
- في صفوف النساء: بنسبة 25.9%.
- في صفوف الرجال: بنسبة 20.1%.
- في المناطق الحضرية: بنسبة 21.2%.
- في المناطق القروية: بنسبة 21.4%.
إن هذه الأرقام تحمل دلالات هامة وتتطلب تحمل المسؤولية من قبل الجهات المعنية، سواء كانت الحكومة، الفاعلين السياسيين في الأغلبية والمعارضة، أو الفاعلين الاقتصاديين، بعيدا عن أي خلفيات، لأنها قضية وطنية تتعلق بالاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للمغرب.
إذا كانت التوجهات الملكية السامية تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير التغطية الصحية الاجتماعية للمواطن المغربي، وتعزيز الاقتصاد الوطني، وحماية الشباب المغربي من البطالة والانحراف، فإنه رغم الظرفية الاقتصادية والنقدية والمالية التي يعيشها العالم، بما في ذلك المغرب، لا بد من وقفة موضوعية لتحديد المسؤولية وأسباب ارتفاع معدل البطالة.