بقلم نجيبة جلال
في المشهد المغربي الراهن، أثار فوز شركة رئيس الحكومة بمشروع تحلية المياه جدلاً واسعاً، وانقسم الرأي العام بين من يرى في الأمر تضارباً صارخاً للمصالح، ومن يعتبره خطوة ضرورية في سبيل تقوية الرأسمال الوطني ومواجهة التحديات الكبرى التي يعيشها البلد، خصوصاً في ظل أزمة المياه.
هذا المشروع الضخم، الذي يُعد من أهم المشاريع الاستراتيجية للمغرب، يتطلب إمكانيات مالية وتقنية هائلة لا تتوفر إلا لدى عدد محدود من الشركات. ورغم الانتقادات التي وُجّهت نحو منح الصفقة لشركة رئيس الحكومة، يبقى السؤال الأعمق: هل هناك بدائل محلية كانت قادرة على تحمل هذه المسؤولية؟
الحقيقة التي قد يصعب إنكارها هي أن الاقتصاد الوطني بحاجة إلى رأسمال مغربي قوي قادر على تنفيذ مشاريع استراتيجية بعيداً عن هيمنة الشركات الأجنبية. التخوف من فتح الباب أمام التبعية الخارجية، في حال استبعاد الشركات الوطنية الكبرى، يفرض علينا إعادة التفكير في معايير تضارب المصالح.
غير أن هذا النقاش لا يُعفي الحكومة، وعلى رأسها رئيسها، من تحمل المسؤولية التواصلية تجاه المغاربة. فالمغاربة بحاجة إلى توضيحات صريحة ومهنية عن هذه الاختيارات المرحلية التي تتطلب انخراط الجميع في دينامية البناء الوطني. لا بد أن تدرك الحكومة أن الشفافية في التواصل تلعب دوراً محورياً في بناء الثقة، وقطع الطريق أمام من يحاول استغلال مثل هذه القرارات لضرب استقرار البلاد داخلياً أو خارجياً.
التاريخ مليء بنماذج رجال سياسة استثمروا بحس وطني لخدمة بلدانهم، من رفيق الحريري في لبنان إلى فرانكلين روزفلت في الولايات المتحدة. هؤلاء لم ينظروا إلى السياسة كوسيلة للسلطة فقط، بل كفرصة لدفع عجلة الاقتصاد الوطني وخلق نموذج تنموي متكامل.
طبعا، لتحقيق هذا الهدف، لا بد من الالتزام التام بالشفافية لضمان نزاهة العملية وتجنب أي استغلال للمنصب. الجدل الحالي حول المشروع يسلط الضوء على تحدٍ أعمق: غياب رأسمال وطني تنافسي قادر على مواجهة الشركات الكبرى أو تقديم بدائل حقيقية.
ما يحتاجه المغاربة اليوم ليس فقط إجابات على أسئلة تضارب المصالح، بل رؤية واضحة ومتماسكة تؤكد أن الأهداف المرسومة لهذه المشاريع تخدم المصلحة العامة. رئيس الحكومة، وهو مغربي مثل باقي المواطنين، مسؤول عن توضيح مواقفه والدفاع عن حسه الوطني، و من حقه أن يستثمر !
ربما الأهم ليس من فاز بالمشروع، بل في التأكد من أن النتائج النهائية تخدم الوطن وتُعزز السيادة الاقتصادية، بعيداً عن الحسابات الضيقة. في النهاية، التاريخ سيحكم، والمغاربة ينتظرون أفعالاً تعزز التنمية وترسخ الثقة.