متابعة
أكد تحليل اقتصادي حديث أن هيمنة المقاولات الصغرى على النسيج الإنتاجي المغربي، التي تتسم بعجزها عن التنافسية الدولية، فضلا عن عدم تنزيل الكثير من مقتضيات النموذج التنموي الجديد، تعد من أبرز المعيقات أمام تحقيق إقلاع اقتصادي بالمغرب، وإدخال المملكة إلى نادي “الاقتصادات الناشئة”، موصيا بعدد من التدابير لتحقيق ذلك في أفق سنة 2040.
وتعد “الاقتصادات الناشئة” عبارة عن منظومات اقتصادية تمتلك صفات قريبة من صفات الأسواق المتقدمة، لكنها لم تستوف كافة الصفات والمعايير التي تؤهلها لكي تكون من بينها؛ إذ يبرز المغرب، بفضل أدائه الاقتصادي، كما يشير إلى ذلك أحدث تصنيف للدول الناشئة الذي ينشره معهد “Emergence” سنوياً، وحيث احتل صدارة الدول الإفريقية في عام 2024.
واعتبرت مؤسسة “Institut Groupe CDG”، التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، أنه منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مكنت السياسة الاقتصادية المغربية من الانفتاح على الخارج وتسريع التصنيع، وخاصة بفضل الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاعات مثل صناعات السيارات والطيران، وقد ساعد ذلك على تنويع الاقتصاد المغربي وتطويره، واندماجه بشكل أكبر في الاقتصاد العالمي.
لكن التحليل اعتبر أنه “مع ذلك، تظل إنتاجية البلاد أقل من نظيرتها في البلدان الناشئة، وذلك بسبب تحديات من بينها طبيعة النسيج الاقتصادي الذي تهيمن عليه المقاولات الصغيرة والمتوسطة، العاجزة عن المنافسة على المستوى الدولي، بخلاف الشركات الكبرى التي تندمج بشكل أفضل في سلاسل القيمة العالمية”.
وتابع التحليل بأن التحدي الآخر هو ذاك المرتبط بالابتكار التكنولوجي، مما يجعل التنوع الاقتصادي والارتقاء الصناعي أمراً صعباً. مضيفاً أن النموذج التنموي الجديد، وبالرغم من أنه يحمل رؤية طموحة، فإنه لم يترجم بعد إلى خارطة طريق ملموسة وعملية.
وحذر التقرير من أن يظل النموذج التنموي مجرد “حبر على ورق”، موصياً لمعالجة هذه المشكلة باعتماد نهج الخطة الخماسية لضمان الاتساق بين السياسات القطاعية والأهداف الوطنية، مع وضع تخطيط مدته عشر سنوات لتحديد معالم واضحة للانتقال إلى نموذج النمو الشامل والمستدام.
ولفتت المؤسسة إلى أنه “لتسريع إقلاعه الاقتصادي، سيتعين على المغرب الاعتماد على الاستثمار في البنية التحتية للنقل والسكك الحديدية والخدمات اللوجستيكية وتطويرها بشكل أكبر”، كما يشكل التكوين المهني والتعليم الثانوي رافعتين رئيسيتين، “خاصة وأن البلاد تواجه معدلاً مرتفعاً من الأمية”.
كما أوصى التقرير بتحفيز الابتكار وتعزيز القدرة التنافسية للمقاولات الصغيرة والمتوسطة من أجل مواجهة التحديات العالمية، بالإضافة إلى “الحفاظ على اليقظة الدائمة بشأن نموذج تمويل الانتعاش الاقتصادي، وخاصة فيما يتصل بتطور الكتلة النقدية، وتمويل العملات الأجنبية، والأصول الاحتياطية الرسمية”.
ولفت إلى أن المغرب يحظى بـ”إطار ماكرو-اقتصادي مستقر، مع تحكم في المالية العمومية واستقرار الدين. ومن المتوقع أن يحقق النمو الاقتصادي في سنة 2025 نسبة 3.7 بالمئة بالنسبة للقطاعات غير الفلاحية، بفضل التضخم المتحكم فيه عند نسبة 2%، ومع ذلك، يرى المحللون أنه “لا تزال المخاطر قائمة، وخاصة تلك المرتبطة بالتساقطات والتقلبات في الوضع الدولي”.
وشدد التقرير على أن “هناك حاجة ملحة لتنزيل استراتيجية التنمية الصناعية الجديدة في البلاد، فضلاً عن تحويل القطاع الفلاحي لتقليل الارتهان للتقلبات المناخية. مع تسريع الإصلاحات في مجالات رئيسية مثل التمويل والمنافسة ومناخ الأعمال، وقبل كل شيء الرأسمال البشري.
واعتبر أن التركيز بشكل خاص على التكوين المهني والتعليم العالي والبحث والتطوير تعد ضروريات لتعزيز الابتكار وتعزيز القدرة التنافسية للمغرب، وخاصة في أفريقيا وأوروبا. كما أن إدماج الشباب في عملية التنمية يشكل أولوية، لأن “النافذة الديموغرافية” للمغرب ستغلق بحلول سنة 2040.