إكسبريس تيفي/الأمين مشبال✍:
تتبعت وعشت منذ ما يزيد عن أسبوعين بكل جوارحي، كسائر المواطنين المغاربة، الأخبار وردود الفعل المختلفة والبلاغات المتعلقة بكارثة زلزال الحوز، بَيْد أنّ ما لفت انتباهي واستفزني بعض ما جادت به قريحة عبد الإله بنكيران والتي عبّر عنها البيان الصادر عن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية والمنشور في موقعه الرسمي يوم 24سبتمبر الجاري.
في سياق تفاعل الأمانة العامة للحزب مع الحدث الجلل المتمثل في زلزال الحوز، وقبل أن تشفى جراح المغاربة عموماً والمصابين خصوصاً ، أصدر الأمين العام للحزب ومن خلفه الأمانة العامة حكمه القاطع الذي كشف لنا فيه عن دواعي وقوع الزلزال والمسؤول عنه: “كل شيئ يصيب الإنسان فيه إنذار، والصواب هو أن نراجِع كأمة ونتبيّن هل الذي وقع قد يكون كذلك بسبب ذنوبنا ومعاصينا ومخالفاتنا ليس فقط بمعناها الفردي ولكن بمعناها العام والسياسي، لأن السؤال المطروح ليس فقط عن المخالفات الفردية وإنما عن الذنوب والمعاصي والمخالفات بالمعنى السياسي وتلك الموجودة في الحياة السياسية عامة والانتخابات والمسؤوليات والتدبير العمومي وغيرها”.
الزلزال والسياسة
قصد التنفيس عن مشاعر الخيبة والمرارة التي تسكن أعماقه منذ الهزيمة المدوَِّية لحزبه إبان الانتخابات التشريعية ل 8 شتنبر2021، والتي جعلت منه رقماً هامشياً في التركيبة السياسية المغربية، لجأ بنكيران إلى ترديد أفكار رائجة في الأوساط الشعبية والتي يرددها منذ القرون الوسطى (وحتى قبلها بقرون) عديد من رجال الدين المسيحيين والمسلمين الذين نسبوا بعض الكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وفيضانات وحتى أوبئة إلى عقاب إلاهي لذنوب مفترضَة اقترفوها. وبما أن الأغلبية الساحقة من الضحايا هم من سكان قمم جبال الأطلس الذين يعانون من أقصى درجات الفقر والتهميش والعزلة، وتغيب عن فضاءات حياتهم البئيسة كافة مظاهر الترف والترفيه من دور السينما و الكازينوهات والفنادق الفخمة والحفلات الباذخة…الخ ، فإن توظيف حجة ” فساد الأخلاق” و”ارتكاب المعاصي” ستصبح مَدعاةً للسخرية وربما مثيرة لنقمة الرأي العام، فقد لجأ بنكيران إلى “تسييس” الزلزال واعتباره، ضمنياً، إنذاراً إلاهياً لحكومة أخنوش على «الذنوب والمعاصي والمخالفات بالمعنى السياسي وتلك الموجودة في الحياة السياسية عامة والانتخابات والمسؤوليات والتدبير العمومي وغيرها….”
“الاجتهاد” البئيس لبنكيران تمثل في ربط الزلزال الذي أودى بحياة آلاف المواطنين البسطاء وترك عشرات الآلاف بدون مأوى ب «الذنوب والمعاصي والمخالفات بالمعنى السياسي” او بعبارة أخرى بسوء التدبير العمومي أو الخروقات التي طالت الانتخابات والبلوكاج الشهير الذي جعل رفيق دربه ونائبه الأول سعد الدين العثماني يسارع لحجز مقعده كرئيس للحكومة. والعجيب في الأمر أن ذاكرة بنكيران تناست أنه لما وقع زلزال الحسيمة سنة 2004 وحينها كان عبد الإله بنكيران، والعديد من أنصاره يخشون من أن تمسك بتلابيبهم الحرائق السياسية التي أشعلتها العمليات الإرهابية في 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، ابتلع لسانه ولم يخطر على باله ولو للحظة واحدة الحديث عن الخلفيات السياسية والدينية المفترضة للزلزال المذكور؟ ولماذا لما وقع زلزال تركيا المدمر في فبراير2023 لم يعتبره بنكيران عقابا إلاهيا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بها وكذا للدور الخبيث الذي لعبه زعيمه الروحي الطيب أردوغان في تخريب سوريا وتشريد أزيد من مليوني من مواطنيها؟
فاقد الشيء لا يعطيه
من أبرز الآفات التي نجمت عن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ببلادنا، وتراجع مكانة الثقافة داخل المجتمع، النزوع نحو مجتمع الفرجة وتسطيح الخطاب السياسي وإفراغه من المضامين والخلفيات الفكرية والسياسية والايديلوجية التي تتحكم في إنتاجه. كل ذلك جعل معظم محترفي السياسة المغاربة بدل أن يغنوا النقاش حول المشاريع المجتمعية الكفيلة بتطوير الاقتصاد الوطني وبناء مؤسسات ديمقراطية ذات مصداقية، نجدهم يتنافسون في تقديم أكثر الأفكار السطحيةً والتعابير رداءة لِلفتك بمنافسيهم وهذا ليس بغية مسايرة أهواء الجمهور وحسب، بل الأدهى من ذلك لكون معظمهم لا يمتلك زاداً فكرياً وحمولةً معرفية تؤهلهم لخوض صراع التصورات والأفكار والبرامج.
ضمن هذا السياق العام الذي تطبعه التفاهة سطع نجم بنكيران كخطيب شعبوي مُفَوَّه تَمكّن من خداع الجماهير بتوظيف العاطفة الدينية وخطاب المظلومية والعنف اللفظي ضد الخصوم، إلى أن استفاق المواطنون على شعار «عفا الله عما سلف” ثم اكتووا بمجموعة من القرارات التي لا زالوا يعانون من تبعاتها كتلك المتعلقة بنظام التقاعد أو إلغاء صندوق المقاصة مما جعل أثمان الطاقة وغيرها تحلِّق عالياً بدون حسيب ولا رقيب.
إنّ سَعْي بنكيران اليوم للركوب على الثقافة الدينية المتواضعة للعامة، والربط ما بين الزلزال وتدبير الدولة لملفاتها السياسية تعبير عن محاولة ساذجة لإعادة تسليط الضوء عليه بعد أن أخذ يطاله النسيان، كما يدل عن عجز فظيع لبنكيران في تجديد رؤيته الفكرية والسياسية لقضايا مغرب اليوم عموما ولانتكاسة حزبه خصوصا، وإنتاج خطاب سياسي جديد ينأى عن الشعبوية الذي استنفذ إمكانياته وأبان عن قصوره في التأثير والحشد على حد سواء.