إكسبريس تيفي/✍بالقاسم امنزو
دكتور في التواصل السياسي:
التواصل السياسي حقل من حقول المعرفة، لكنه يتضمن عدة حقول معرفية متداخلة متشابكة فيما بينها ، تتمحور أساسا حول اللسانيات والسيمياء والسياسة والإعلام، والتواصل والعلاقات الدولية، لدراسة كل حركة، موضوعها السياسة والرأي العام.
غير أن ما نلاحظه اليوم في كثير من الحالات في الميدان السياسي، والمجال الاقتصادي، والشأن الانتخابي، والقطاع الرياضي، والحقل الديبلوماسي، لا علاقة له بالتواصل السياسي في مفهومه العلمي وأبعاده التواصلية، ذلك أن الأمر بات يتعلق فقط بعمليات أو بتقنيات تواصلية بسيطة تندرج في إطار الأنشطة التسويقية، (marketing)، التي ترتكز أساسا على إنتاج المعلومات وتزيينها و”تلفيفها” أو “تعليبها” ، ونشرها من أجل تلميع “الصورة”.
وهنا اختلطت الأمور على بعضهم، وتشابهت عليهم “الصور”، حتى وجدنا من يطبق تقنيات الأنشطة التسويقية لتلميع صورة المنتوج عند الزبائن لاقتنائه، ليقوم بنسخها وتطبيقها حرفيا على “الإنسان” ، حتى في مجال حساس يتطلب من المسؤول السياسي الإقناع بفكره، وخطابه وحكمته، وكلامه، وأحيانا بصمته، وذلك بالاعتماد أو الاستعانة بعلوم التواصل السياسي.
من الطبيعي إذن أن تحتد أزمات كانت تتطلب فقط وضع خطة “تواصل الأزمة” بعناية ومهنية عالية.
وطبيعي كذلك أن يضاعف مسؤول ما، حدة الاحتقان الاجتماعي بقرار كان عليه أن يختار له ظرفية مناسبة، بعد تهييء الرأي العام المعني بالأمر بخطاب سياسي؛ لإقناعه بالانخراط في “المشروع” ، بدل استفزازه، وحال لسانه يقول: “هذا قرار الدولة التي تملك جميع الوسائل لتطبيقه وضبط الشارع”.
في نفس السياق قام برلمانيون مؤخرا باقتناء أشهر الميكروفونات، وأحدث آلات التصوير، ليتعلموا في “الاستوديو” كيف يدلون بتصريحات، حيث لا يهم محتوى “ما سيقولون” ، وإنما “كيف سيقولونه” ، مع
العلم أن “التصفيق مضمون”.
حتى مجال العلاقات الدولية كان مسرحا لكوارث بسبب نفس عملية نسخ تقنيات الأنشطة التسويقية الخاصة بالمنتوج لتطبيقها على “الديبلوماسي”، مع عطر بعض الكلمات “الناعمة” وربما أنشطة أخرى، ليظهر أكثر بلادة وسذاجة، في حين أن التواصل السياسي قادر أن يظهر المسؤول الساذج في صورة القائد.
وهنا يكمن الفرق بين ممتهني “تنكافت” وأهل الاختصاص.