إكسبريس تيفي/بالقاسم امنزو دكتور في التواصل السياسي:
أصبح ما يسمى في العالم الافتراضي ب”صناعة المحتوى” مهنة من لا مهنة له، حيث لا يتطلب الأمر في أغلب الحالات، تكوينا أكاديميا، ولا ثقافة عامة، ولا فن التواصل، ولا لياقة الكلام ولباقته، وإنما فقط فتح نافذة افتراضية، والتسلح بقلة الحياء و”جيب يا فم وقول”.
بعد ذلك يتم النفخ في عدد المشاهدات، التي يسمونها “الجمهور”، عبر تقنيات متاحة على وسائط التواصل الاجتماعي، ومتوفرة بالمجان، لتقديم ذلك ” المنتوج ” للجهة “المانحة” التي طلبت تلك “الخدمة”، أو استدراج أخرى ، أو استغلال ذلك من أجل الابتزاز الذي أصبح يستهدف في بعض الأحيان حتى أركان الدولة.
إذن الساروت هو “الجمهور”، ورأس المال هو “الجمهور”، وكل عملية تتم على أساس هذا “الجمهور”، وكل واحد يغني ب”جمهوره”، لكن من يكون هذا “الجمهور”؟
إذا ما حذفنا العدد الوهمي الذي يتم ب”النفخ” وتقنياته، وعدد الحسابات الوهمية، من يكون “الجمهور” المتبقى؟
هناك عدد لا بأس به من الذين يتقاسمون “المنتوج”، وذلك ليس من باب الإعجاب، وإنما في إطار التنديد والتحذير بالعبارة المرفقة للرسائل عبر تطبيقات التراسل الفوري: “واش شفتي هذه المصيبة؟ الله يستر أوصافي”.
إذا ما استثنينا إذن هذه الفئة، لن نجد ضمن هذا “الجمهور”، سوى ذوي الاحتياجات الخاصة الفكرية، الذين تكون مناعتهم الفكرية والسياسية هشة؛ ولكن مع ذلك غالبا ما يلتحقون في الواقع بالفئة المنددة، عندما يغادرون واقع العالم الافتراضي، لأن عملية دغدغة المشاعر والقلوب، واستهداف العاطفة والانفعالات، لا تصمد حين يتدخل العقل الذي لا يمكن دغدغته إلا بوسائل أخرى تتطلب أدوات مختلفة تعتمد أساسا على المنطق والتحليل والإقناع، وهو ما يجهله جل أصحاب “الدكاكين الافتراضية”، حيث أغلبهم لا يميزون -كما يقال في الدارجة – بين “الألف والزرواطة”.
إذن من الزاوية السياسية والتأثير على الرأي العام في الواقع، تبقى أصوات هذه “الدكاكين” في العالم الافتراضي.
و حتى في الحالات التي يستغلها السياسي لهدف ما، خاصة في الانتخابات أو الاستفتاءات، ليزوّر في الواقع ويقول بأن “الحملة الرقمية” كانت ناجحة، تظل عملية تغيير أرقام الواقع لتساير الافتراضي هي التي كانت “ناجحة”.
بعد هذا التحليل قد يقول قائل:
ولماذا يصل متوسط دخل مستخدمي يوتيوب ل7.60 دولارا لكل ألف مشاهدة، تذهب 45% منها إلى شركة غوغل؟
لأن المنصة المعلومة تستغل كل ذلك لإشهار منتوجات، والترويج لها من أجل بيعها لجزء من ذلك “الجمهور”.
ولقد أصاب التلميذ الذي رد على “يوتوبير” عندما سأله هل شاهد حلقته الأخيرة، فأجاب : “عمي ماعنديش وقت للتفاهة، ومع احترامي، كيبان لي أي يوتوبير بحال بانو (panneau ) الإشهار”.
إذن تبقى أغلب “الدكاكين الافتراضية” سوى وسيلة للإشهار أو لوحات إشهارية (panneaux publicitaires)، بعلم أو بدون علم أصحابها.