إكسبريس تيفي/✍الدكتورة نادية الجدوع.
العضو الدائم في الامانة العامة:
لجمعية الامم المتحدة.
التعايش السلمي من الموضوعات المُهمة التي تشغل اليوم المُجتمعات الإنسانيّة والتي يكثر تناولُها في وسائل الإعلام والاتّصال كما أصبح موضوعًا حارًا للمُناقشة في الندوات والمُؤتمرات حيث ازدادت أهميته في العصر الذي نعيش فيه
فعلى رغم تطور الإنسان علميًا ومدنيًا وعمليًا
ينحطّ المجتمع البشري من داخله ثقافيًا وخلقيًا، وكذلك تهبط المودة الإنسانية والقيم الخلقية.
لقد أصبحت فكرة التسامح الديني والتعايش السلمي دعوة فكرية تحمل في طياتها مضامين فكرية وثقافية وحضارية واجتماعية، وقد تُبنى هذه الفكرة وينظر لها من الطرف الإسلامي بأنها احترام الآخرين وحرياتهم والاعتراف بالاختلافات بين الأفراد والقَبول بها، وهو تقديرُ التنوّع الثقافي، وهو الانفتاح على الأفكار والفلسفات الأخرى في الأديان.
التعايشُ السلمي ليس هو فقط موضوعًا وهاجسًا ومشروعًا يهمّ دولة ومُجتمعًا، بل هو أيضًا هاجس إنساني في عصر العولمة بعد أن تحول العالم إلى قرية صغيرة. يحمل التعايش السلمي قيمة كبيرة في العالم المتحضر، وقد أصبح مبدأ أساسيًا من مبادئ التسامح والتعايش السلمي داخل الأمم، وفيما بينها، والذي يتحقق في ظلّه الازدهار والتقدم.
يدعو التعايش السلمي بين البشر جميعًا إلى جوّ من الإخاء والتسامح بين كل الناس بصرف النظر عن أجناسهم وألوانهم ومعتقداتهم. التعايش الإنساني في داخل المجتمع الواحد مطلوب موضوعيًا واجتماعيًا، مهما اختلفت الأفكار والمفاهيم والعادات والتقاليد والقيم والمبادئ، التعايش والتفاهم وقبول الآخر، يتم عن طريق التواصل بشكل مباشر، وبشكل يومي أو شبه يومي في القرية والمدينة والمُجتمع الواحد بشكل عام، ولا يجوز الهروب أو رفض هذا الواقع، الذي يضمّ في أكنافه تناقضات مختلفة، واختلافات عديدة، في وجهات النظر أو العقائد والمفاهيم وخلافه.
الإسلام هو دينُ التسامح والمحبة والسلام
وهو عقيدة قوية تضمّ جميع الفضائل الاجتماعية والمحاسن الإنسانية الفضلى.
وقد أولى الإسلام قيمة التسامح مكانة هامة، وظلّت هذه القيمة سمة من سمات حضارة الإسلام عبر العصور والتاريخ، والتسامح مبدأ من المبادئ التي عمق الإسلام جذورها في نفوس المسلمين، وأصبحت جزءًا من كيانهم، وهو غاية الإسلام في الأرض، ومن مبادئ الإسلام الراسخة، وهو الأساس الثابت الذي تقوم عليه علاقة المسلم مع أهل الأديان، ومن هذا المبدأ تنبع رؤية الإسلام إلى التعامل مع غير المُسلمين، فلا تكتمل عقيدة الإسلام إلا إذا آمن بالرسل جميعًا، لا يفرق بين أحد منهم، وهذا هو البعد الإنساني الذي يعطي للتسامح في الإسلام مساحات واسعة.
ومن الوالضح أن التسامح لا يلغي الفارق والاختلاف، ويؤسّس العلاقات الإنسانية التي يريد الإسلام أن تسود حياة الناس، فالتأكيد على الخصومات العقائدية والحضارية والثقافية، لا سبيل إلى إلغائه، ولكن الإسلام لا يريد لهذه الخصومات أن تمنع التعارف بين الأمم والشعوب والتعاون فيما بينها، ومفهوم التعارف ذو سعة، يمكن أن يشمل كل المعاني التي تدل على التعاون والتساكن والتعايش، ويمكن أن يستوعب التعارف قيم الحوار والجدل بالتي
هي أحسن والاحترام المُتبادل.
إنّ ضرورة التقارب بين الثقافات والتفاعل بين الحضارات تزداد يومًا بعد يوم بفضل ثورة المعلومات والاتصالات والثورة التكنولوجية التي أزالت الحواجز الزمانية والمكانية بين الأمم والشعوب، حتى أصبح الجميع يعيشون في قرية كونية كبيرة.
التسامح الدينيّ يُساعد على تحقيق السلام الاجتماعي والتعايش السلمي ويصون المجتمع لتحقيق الحياة الآمنة السعيدة، والتعايش السلمي يمثّل أساس السلم الاجتماعي لأي مُجتمع بهدف إبعاده عن النزاعات والصراعات والسير بخطى ثابتة نحو التنمية المُستدامة. فالتسامح الدينيّ والتعايش السلمي ضرورة إعطاء الوقت بين الأفراد والجماعات والأديان
وعلى صعيد الأسرة والمُجتمع الدولي..
العراق في ١٦/ ١٢ / ٢٠٢٣