إكسبريس تيفي: ذ. عبد الله مشنون/إعلامي كاتب صحفي مقيم بإيطاليا
وماذا يستفيد المغرب جحافل الأطباء خريجي كلية الطب بعدما تخسر عليهم الدولة الملايين في تكوينهم؛ حيث يغادرون البلاد أو يفتحون عيادات طبية خاصة بهم؟
لكن هل غياب الحوافز في القطاع العام؛ يبرر غضب هؤلاء؟ هل الخلل في المنظومة بكاملها؟
طلبة كلية الطب وأولياء أمورهم يتهمون الحكومة بوضع مَطبَّات في مسيرتهم..!
مَطَبّ ،مَطبَّات، مطبوب ،والمطبوب هو المريض والمسحور ،كما أن المسحور هو الذي لا يستطيع التحكم في ذاته أو الوعي بغيره ومتطلباته.
والمطب لغة هو مَزْلَق، منخفض ممتد بعرض الطريق لإجبار السيارات على تخفيف سرعتها ، فيقال اجتزنا جميع المطبَّات الخَطِرة… والمِطَبَّاتْ فوق الأرض؛ وحتى حقول الألغام تحت الأرض؛ لن، ولم تمنع أحدًا يومًا من الوصول إلى هدفه؛ فقط هي عملية تكنيك وتكتيك لتعطيل وتخفيف للمسير في المجال العسكري، وينطبق نفس الأمر في الحياة المدنية.
موضوع طلبة الطب والإضراب المستمر لما يزيد عن خمسة أشهر هو مطب المطبات وهو مشكلة جدية وقاسية على العلم والدراسة ،وعلى الوطن والمواطن . لأن الطب مسألة حيوية وضرورية في حياة الإنسان الكائن الحي الذي لولا تمتعه بالصحة لما تحرك أو أنتج واستنتج، والصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء ، كما أن العقل السليم في الجسم السليم . وحينما تهمل صحة الفرد فستنهار معها صحة المجتمع لأنه عبارة عن مجموعة أفراد ، كما أن الدولة هي نتيجة ذلك المجتمع ونهايته وغايته .
فصورة الدولة وقيمتها من قيمة المجتمع وإلا فإنها ستكون نشازا وطفرة لا علاقة لها بمقتضيات التطور والنمو والتحضر طالما هي لا تراعي صحة المواطن ومستقبله المادي والمعنوي وخاصة في جانبه الصحي.
وكإعلامي ملاحظ وراصد لما يدور ويجول ويصول ويقال حول هذه الأزمة التي تمر بها بلادنا ،وخاصة في القطاع التعليمي والصحي والمتجسدة في هذا الشد والجدب بين طلبة الطب والوزارات الوصية على القطاع ، فإنني وكما استنتجته من أقوال وتصريحات المسؤولين على القطاع وخاصة وزير التعليم العالي والبحث العلمي ومعه وزير الصحة هو أن الأمر لم ينظر إليه بالجدية اللازمة والمتناسبة مع خطورة وأهمية الموضوع، وأن المسؤولين لم يريدوا النزول بجدية عند السقف المعقول للمطالب الملحة لدى طلبة الطب. بحيث فيما يبدو أن لهم مبررا معقولا وموضوعيا في تحفظهم وتخوفهم من القرارات غير المدروسة بعناية من طرف الوزارة الوصية، كما أنها غير متوافقة مع مقتضيات مصلحة الوطن والمواطنين في تحقيق الضروري والأساسي من الصحة الضامنة للاستقرار النفسي والمادي وتوظيف الكفاءات والمهارات المؤهلة للنمو والتقدم والازدهار.
وحينما يطل علينا بين الفينة وأخرى وزير التعليم العالي بخرجاته وتصريحاته ، الإعلامية والأقرب إلى العنترية منها إلى البحث العلمي الأكاديمي، فإننا نكاد نشتم منها رائحة شبه اللامبالاة ومنطق اضرب رأسك مع الحائط ( اضرب راسك مع الحيْط) كما يقول المثل المغربي . فالذي قد قررناه هو الذي سيكون وما في أعلى خيلك اركبه.وهي لهجة كلها تحدي واستهتار غير مسؤول بمصير آلاف الطلبة الذين قد تضيع مجهوداتهم ومستوياتهم كل دقيقة وكل ساعة لم يتلقوا فيها دروسهم وتداريبهم بانتظام واستمرار وعناية. خاصة وأن علم الطب هو علم متفلت وشديد الحساسية والتبخر إذا لم يداوم على تدارسه وتطبيقاته مياومة وفي كل لحظة !!! . فكيف به وقد مرت على تدريسه أكثر من خمسة أشهر ولا حلول موضوعية وواقعية تلوح في الأفق. كما أن هذا التوقف قد يضر بجيل كامل في باب الصحة وتكوين الأطر اللازمة والمتناسبة مع النمو الديموغرافي للسكان وتوزيعهم عبر الجهات والأقاليم.
إن آباء هؤلاء الطلبة(ولم يعودوا ولاة أمورهم بحسب الرشد وقانونه، لأنهم شبوا عن الطوق)، كما استقرأنا واستطلعنا، يعيشون قلقا كبيرا خيبة أمل من هذا الموقف اللامسؤول الذي اتخذته وزارة التعليم العالي ومعها الصحة فيما يخص عدم النزول إلى طاولة الحوار الشفاف وغير المسيّس مع الطلبة . كما أنهم يأملون وبصورة استعجالية إيجاد حلول موضوعية وضامنة للاستمرار والاستقرار السليم لهذا القطاع الحيوي في المجتمع والذي هو من ضرورات الحياة ومطلب وجودي لا أنه عرضي وترفيهي . وهذا يقتضي ،في نظرنا ، تدخل أعلى جهاز في الدولة لحل المشكل بالتحكيم لا بمنطق التحكم وفرض الواقع النظري والسياسي ضدا على الواقع العملي والعلمي المهني…
فالحذر الحذر من استحلاء مسلسل المطبّات والاستهانة بدور الطب والأطباء، ومعه صحة المواطنين وراحتهم لحد تضييع سنة كاملة من دراسة الطب من أجل حسابات سياسية واهية وضيقة الأفق لا تسمن ولا تغني من جوع !!!.
لكن هل قدرنا نبقى في هذه الدوامة من الصراع؟