إكسبريس تيفي: مصطفى الفيلالي
الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة مولاي الحسن الداكي وقع على ” البروتوكول الترابي للتكفل بالأطفال في وضعية هشاشة” بحضور السيدة وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة؛ ونائبة رئيسة الاتحاد الوطني لنساء المغرب، والسيدة نائبة رئيسة المرصد الوطني لحقوق الطفل ثم السيدة ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة بالمغرب وكذا ممثلي القطاعات الحكومية و المجتمع المدني.
الداكي عبر في كلمته عن اعتزازه بما حققته مساعي الشراكة فيما بين مختلفين الفاعلين في هذا الحقل وكذا بالعناية والتتبع الحثيث الذين حظيت بهما خطوات إنجاز هذا البروتوكول من قبل صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للا مريم التي سخرت لذلك المؤسستين اللتين ترأسهما سموها وهما المرصد الوطني لحقوق الطفل والاتحاد الوطني لنساء المغرب.
الداكي توجه بالشكر الجزيل كذلك لشركاء البرتوكول الاستراتيجيين في مسار حماية الطفولة والذين من بينهم السيدة عواطف حيار وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة والسيد المهدي بنسعيد وزير الشباب والثقافة والتواصل على التفاعل والاستجابة والاستعداد للشراكة البناءة والحوار المثمر من أجل تدليل كل الصعوبات التي تحول دون تحقيق الحماية الفعلية للأطفال في وضعية هشاشة وكذا مساعديهم.
كما نوه السيد الداكي بالسيدة « Speciose Hakizima » سبيسيوز هاكيزيمانا ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة بالمغرب على الدعم المتواصل لأجل تعزيز التقائية أدوارنا الرامية الى حماية الطفولة.
حضرات السيدات والسادة
وفي ما يلي تتمة ما جاء في كلمة السيد الداكي:
إن حرص بلادنا على الارتقاء بشأن الطفولة يأتي تنفيذا للعناية السامية التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده منذ اعتلائه عرش اسلافه المنعمين والتي عبر عنها جلالته باستمرار، ونستحضر في هذا الصدد مقتطفا من رسالة جلالته السامية الموجهة إلى المشاركين في أشغال الدورة الخامسة للمؤتمر الإسلامي للوزراء المكلفين بالطفولة، الذي انعقد في 21 فبراير 2018 بالرباط التي جاء فيها “… وتثمينا لهذا الرصيد، عملنا على إعطاء دُفعة قوية لحماية الطفولة، والنهوض بأوضاعها، حيث نصّ دستور 2011 على أنّ الدولة تسعى لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية ” انتهى النطق الملكي السامي.
وتكريسا للمقتضيات الدستورية التي وردت في خطاب جلالته، عززت القوانين الوطنية حماية حقوق الطفل ومراكزه القانونية وهو ما انعكس من خلال تبني سياسة عمومية مندمجة لحماية الطفولة استهدفت النهوض بالمعايير الاجتماعية الحمائية وتعزيز الأجهزة الترابية لحمايتها.
ولم تتخلف أجهزة العدالة عن هذا الركب من أجل تسهيل ولوج الأطفال للحماية القضائية بغض النظر عن الأسباب التي ساقتهم الى التماس مع القانون، وذلك من خلال تقوية أدوار خلايا التكفل بالنساء والأطفال بجميع محاكم المملكة إضافة الى أدوار اللجن الجهوية والمحلية التي تسهر على التنسيق مع مختلف القطاعات الحكومية وغير الحكومية المعنية بحماية الأطفال.
كما انخرطت رئاسة النيابة العامة منذ تأسيسها في أكتوبر 2017 في تفعيل هذه الأهداف الوطنية جاعلة في مقدمة أولوياتها تكريس مفهوم العدالة الصديقة للأطفال مسخرة لذلك أدوار قضاة النيابة العامة كحراس للمصلحة الفضلى للطفل من خلال توفير ما تتطلبه أوضاعهم من دعم ومساعدة ومرافقة واستحضار للبعد الاجتماعي والإنساني.
ومن أجل ذلك تحرص رئاسة النيابة العامة على تفعيل المبادئ الدستورية التي تؤكد على ضرورة التعاون بين السلط استنادا لما يقتضيه الفصل الأول من دستور 2011 مع استحضارها التام لأهمية الالتقائية بين تدخلات الفاعلين في مجال حماية الطفولة، وضرورة تظافر جهود الجميع لتحقيق الحماية الناجعة والفعالة لمن هم في وضعية هشاشة على الخصوص.
السيدات والسادة الافاضل، إن وضع هذا البروتوكول يأتي في سياق تعزيز المكتسبات التي راكمتها المملكة المغربية في مجال حماية الأطفال في وضعية هشاشة، وتنزيل الأهداف الاستراتيجية المسطرة ضمن السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة بالمغرب 2015 -2025، وكذا تفعيلا لمخرجات المناظرة الوطنية المنعقدة في الفترة بين 19 و21 يونيو 2023 بالصخيرات حول موضوع “حماية الأطفال في تماس مع القانون – الواقع والآفاق” التي توجت بتوقيع اتفاقية شراكة بين رئاسة النيابة العامة، ووزارة الشباب والثقافة والتواصل، ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، التي رتبت العديد من الالتزامات في مقدمتها الالتزام المشترك بشأن إعداد بروتوكول يوضح خدمات التكفل بالأطفال في تماس مع القانون في مدار الحماية الاجتماعية والقضائية، ويحدد اختصاص آليات التكفل القضائي والاجتماعي لتجاوز التحديات المرتبطة بهذا المجال.
وها نحن حاليا بصدد تجسيد هذا الالتزام من خلال إطلاق البروتوكول الذي سيتم التوقيع عليه في هذا اليوم المبارك، الذي يضع من بين أهدافه الأساسية توحيد عمل كافة المتدخلين في مجال الطفولة وتعزيز التنسيق بينهم من أجل الارتقاء بالوقاية وبحماية الأطفال في وضعية هشاشة عبر إعداد وثيقة مرجعية ترسم معالم مسار التكفل بالأطفال، وتحدد مهام ومسؤولية كل متدخل على حدة، وتحدد الخدمات النموذجية الواجب توفيرها لكل طفل حسب وضعيته، مع ضمان التقائية التدخلات وتكاملها.
وسعيا لتكريس حماية عامة وشاملة فإن هذا البروتوكول تسري مقتضياته على مجموع التراب الوطني، ويشمل كافة المتدخلين في مجال حماية الطفولة، كما يتميز بتغطيته لكافة فئات الأطفال في وضعية هشاشة بمن فيهم الأطفال في وضعية صعبة، والأطفال المهملين أو المعرضين للإهمال، أو العنف أو الاستغلال، أو للزواج المبكر، وكذا الأطفال في خلاف مع القانون، أو الأطفال ضحايا الجريمة بصرف النظر عن جنسيتهم، سيما الأطفال المهاجرين غير المرفقين، وكذا الأطفال اللاجئين وعديمي الجنسية وذلك بهدف شملهم بالحماية المنشودة سواء في مدار الحماية الاجتماعية أو القضائية .
السيدات والسادة الأفاضل؛ لقد استحضر هذا البروتوكول مختلف المراحل التي قد يمر منها الطفل وهو في حاجة للحماية، بدء من الوقاية باعتبارها آلية أساسية لتجنيبه الوصول لوضعية التماس مع القانون وذلك على مستويين:
مستوى الوقاية الأولية من خلال البرامج الاجتماعية والاقتصادية الموجهة لكل من الطفل والأسرة التي توفر مختلف الخدمات التي تحقق نمو الطفل ورفاهه تفاديا لوقوعه في هشاشة متقدمة قد تكون سببا في تعرضه للخطر أو التأثير سلبا على تنشئته وسلوكه؛ مستوى الوقاية المتقدمة التي تقوم على التدخل الاستباقي لفائدة الأطفال في وضعية هشاشة أو في وضعية خطر قد تؤدي به إلى التماس مع القانون.
كما استعرض البروتوكول وبتفصيل مسار التكفل القضائي بالأطفال داخل مدار الحماية والمبادئ التي تحكمه، ومختلف المراحل التي يمر منها انطلاقا من عملية الرصد والتبليغ وإلى غاية اتخاذ التدبير وآليات مراجعته، مستحضرا في نفس الوقت أهمية عملية التأهيل والإدماج، بمختلف أبعادها النفسية والصحية والاجتماعية والتربوية والمهنية وغيرها.
ونظرا لأهمية التنسيق بين المتدخلين في مجال حماية الطفولة، فقد جاء البروتوكول الترابي بتصور واضح يحدد آليات التنسيق المعنية ونطاق تدخلها من خلال مستويين رئيسيين، الأول يعنى بالتنزيل الترابي للسياسات العمومية والتكفل الاجتماعي بالأطفال في وضعية هشاشة، والذي تشرف عليه اللجن الإقليمية لحماية الطفولة، والثاني يهم التكفل القضائي بالفئات المستهدفة والذي تشرف على تنسيقه اللجن المحلية والجهوية للتكفل بالنساء والأطفال التي ترأسها النيابات العامة لدى مختلف محاكم المملكة.
وختاما فإن أهمية أي عمل مهما علا شأنه وعظم مقصده، يبقى غير ذي جدوى إن لم يترك أثرا طيبا على أرض الواقع من خلال العمل الدؤوب والانخراط الحقيقي والفعال لمختلف المتدخلين، وهذا ما نسعى إليه جميعا من خلال تظافر جهودنا لتنزيل هذا البروتوكول وتحقيق أهدافه، لتهيئ بيئة سليمة ترفل فيها طفولتنا بمختلف الخدمات الكفيلة بتنشئتها على الوجه السليم وإعدادها لمستقبل مشرق يحمل مشعله نساء ورجال الغد. يقول الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله ” إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا.” صدق الله العظيم.
وفقنا الله للعمل جميعا لما فيه خير بلادنا وأطفالنا تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم وأقر عينه بولي عهده المولى الحسن وبصنوه الرشيد المولى رشيد وبسائر أفراد الأسرة الملكية إنه سميع قدير وبالإجابة جدير. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.