المحاماة .. بين الممارسة الشريفة والاستقلالية

المحاماة .. بين الممارسة الشريفة والاستقلالية

- ‎فيواجهة, رأي, مجتمع
img 1718834032064
إكسبريس تيفي

اكسبريس تيفي _ باحدة عبد الرزاق

عرفت مهنة المحاماة أوجها في عهد الرومان عندما ساوى الملك “أفطيموسبين المحامين ورجال الجيش بما في ذلك الضباط الكبار، لقد اعتبرهم من أعلى القوم جاها وأرفعهم شأنا، وبالفعل، لم يخطئ هذا الملك في تقديره لتصنيف هذه المهنة في حياة المجتمعات، فإذا كانت الوجهة الوحيدة التي يتجه إليها المريض ويثق فيها هي الطبيب، فإن الوجهة الوحيدة التي يلجأ إليها المظلوم هي المحامي، إنها مهنة الشرف والمواقف والأقوال المدافعة عن الحق والحرية على الصعيد الفردي والجماعي.

ولكي يقوم المحامي بأداء رسالته النبيلة فلا بد أن تتوفر شروط استقلالية المهنة، ويقصد باستقلال المحاماة قدرة المحامين على أداء جميع وظائفهم المهنية بدون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل غير لائق، بسبب قيامهم بمهام مهنتهم وفقا لما يوافق القانون والعرف الوطني والمعايير الدولية، وكذا قدرتهم على تشكيل والانضمام لهيآت مهنية تتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية، وتعهد لها مهمة تولي تدبير شؤون المهنة في استقلال تام عن أية جهة كانت، ويتقيد المحامي في سلوكه المهني، بمبادئ الاستقلال، والتجرد، والنزاهة، والكرامة والشرف، وما تقتضيه الأخلاق الحميدة وأعراف وتقاليد المهنة.

فاذا كانت مهنة المحاماة مستقلة تماما كالقضاء في المغرب، فإنهما يسعيان وراء نفس الهدف وهو احقاق الحق وتحقيق العدالة، لهذا نجد في المغرب أن هيآت المحامين شديدة الحرس على ممارسة المهنة وفقا للقوانين التنظيمية التي تلزم المحامي المنخرط لديها بالتقيد بها، تحت طائلة العقوبات التي تصل الى حد التشطيب من الجدول أو من لائحة التمرين، أو سحب الصفة الشرفية، كما هو الشأن لبعض المحامين الذين يسيؤون للبدلة، بممارساة قد يصل مداها الى تحريض موكليهم على عدم الامتثال للهيآت القضائية، أو عبر ممارسة التضليل الاعلامي، أو أن يجعل من خصم موكله خصما له، أو التقاضي بسوء نية والذي يلجأ له المحامي بدراية أو بدون دراية.

وقد يتعدى الامر ذلك الى عدم احترام قرينة البراءة لدى موكله أو لدى خصم موكله، أو عدم احترام سرية التحقيق، خصوصا أمام الميكروفانات التي باتت اليوم تؤثر على سير عمل القضاء عبر تأجيج أو استعطاف الرأي العام، وهذه العبثية لا تسيء فقط لمهنة المحاماة فقط ولكن تسيء للقضاء بصفة عامة، وتبقى هذه الممارسات قليلة جدا ونادرة الحدوث بسبب صرامة مؤسسة النقيب في تطبيق القانون الداخلي والتنظيمي للمهنة، في حين جل المحامون في المغرب شرفاء يتحلون بالوطنية ويدافعون ليس فقط عن المواطن بل الوطن ووحدة ترابه.

ويبقى خير تعريف للعدل على مر التاريخ وهو ما وضعه الإمبراطور الروماني جسستنيان في مدونته بقوله “العدل هو حمل النفس على إيتاء كل ذي حق حقه والتزام ذلك على وجه الدوام والاستمرار”. ولتحقيق هذا الهدف النبيل يبقى المحامي فاعلا محوريا ماثلا على الدوام في ذهن أعضاء الجسم الاجتماعي، يذكرهم بحقوقهم وواجباتهم من خلال القضايا والمشاكل التي يتعرضون إليها في حياتهم الاجتماعية. إنه في صلب المعركة الدائمة لحفظ حقوق الإنسان الطبيعية غير القابلة للتقادم.

 

 

 

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *