مارسين كوروليك .. أوروبا بحاجة إلى صندوق للتنمية الصناعية

مارسين كوروليك .. أوروبا بحاجة إلى صندوق للتنمية الصناعية

- ‎فيمقالات رأي دولية, واجهة
0
img 1719670039840

اكسبريس تيفي: متابعة 

مارسين كوروليك

يدعو مارسين كوروليك وزير البيئة البولندي السابق، في هذا المقال إلى مراجعة استراتيجية الاتحاد الأوروبي المناخية في ضوء صعود اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي، ويُحذر من أن صعود اليمين المتطرف قد يُهدد أهداف الاتحاد الأوروبي المناخية، مع احتمال تباطؤ التحول إلى صافي الانبعاثات الصفري، كما يُقترح إنشاء صندوق أوروبي للتنمية الصناعية لدعم الصناعات الخضراء، وتمويله من خلال إصدارات الديون المشتركة وفرض ضرائب جديدة، ويُشدّد المقال على أهمية تخصيص أموال الصندوق بناءً على احتياجات الصناعات المحلية ومساهمة كل قطاع في الناتج المحلي الإجمالي للدولة العضو، مع التركيز على الدول ذات القطاعات الصناعية الكبيرة. كما أنه يوجه الدعوة الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوات حاسمة لدعم الصناعات الخضراء وتعزيز قدرته التنافسية في الاقتصاد العالمي.

اليكم المقال كاملا:

وارسو- في عام 2016، قال رئيس المفوضية الأوروبية السابق، جاك ديلور، أنه إذا كانت سياسات الاتحاد الأوروبي “تهدد التماسك وتُضحي بالمعايير الاجتماعية”، فإن “المشروع الأوروبي لن يكسب دعم المواطنين الأوروبيين”. وأبدى ديلور ملاحظته هذه في أعقاب انتخابات البرلمان الأوروبي التي أجريت خلال هذا الشهر، لذا فهي صائبة أكثر من أي وقت مضى.

ونظراً للمكاسب الكبيرة التي حققها اليمين المتطرف، يُتوقع أن يعطي البرلمان الأوروبي الجديد الأولوية لقضايا مثل الهجرة، والأمن، وأزمة تكاليف المعيشة المستمرة على حساب قضية تغير المناخ. ونظراً لكون عدد كبير من أعضاء البرلمان الأوروبي الذين انتُخبوا حديثاً، يعارضون الأجندة الخضراء للاتحاد، فقد يضطر الاتحاد الأوروبي أيضا إلى إبطاء وتيرة انتقاله إلى صافي الانبعاثات الصفري.

ولكن عِوض أن يغير الاتحاد الأوروبي مساره، ينبغي أن يضاعف جهوده لتحقيق أهدافه المناخية، وأن يتخذ نفس الإجراءات التي اتخذتها الصين والولايات المتحدة، لاسيما قانون الحد من التضخم الذي أقره الرئيس الأميركي، جو بايدن؛ وذلك عن طريق وضع برنامج “شراء المنتجات الخضراء والآتية من أوروبا”، وصندوقا أوروبيا للتنمية الصناعية، من أجل دعم عملية تحولها إلى الطاقة النظيفة.

إن إحدى أكثر حجج اليمين المتطرف شيوعا فيما يتعلق بمعارضته للانتقال الطاقي هي أن الصفقة الأوروبية الخضراء تعتمد بدرجة كبيرة على المدخلات من الصين والولايات المتحدة. إذ ارتفعت واردات الاتحاد الأوروبي من منتجات التكنولوجيا النظيفة من الصين في السنوات الأخيرة، حيث بلغ مجموعها من بطاريات الليثيوم أيون 23.3 مليار دولار، و19.1 مليار دولار من الألواح الشمسية، و14.5 مليار دولار من السيارات الكهربائية في عام 2023 فقط.

وفي المقابل، نجح قانون الحد من التضخم في زيادة استثمارات أميركا في الطاقة المتجددة زيادة كبيرة. فعلى سبيل المثال، خلال الربع الثاني من عام 2023، استثمرت الولايات المتحدة ما يقرب من 10 مليارات دولار في تكنولوجيا تصنيع البطاريات، أي أكثر من ضعف إجمالي استثماراتها في البطاريات، والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والمواد الحيوية، والمركبات الكهربائية خلال الربع الثاني من عام 2022.

ووضعت المنافسة العالمية المتزايدة اقتصاد الاتحاد الأوروبي في مأزق مزدوج. فمن ناحية، تستثمر شركاته الأكثر نشاطا في الولايات المتحدة وليس في أوروبا. ومن ناحية أخرى، تتزايد الصادرات من الصين إلى الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد الرسوم الجمركية الأخيرة التي فرضها بايدن على البضائع الصينية.

وقد يتوقع المرء أن إضفاء قدر أكبر من القومية على البرلمان الأوروبي من شأنه أن يحسن التوقعات فيما يتعلق بالقطاع الصناعي في الاتحاد الأوروبي. ولكن أسعار أسهم شركات الطاقة المتجددة الأوروبية الرائدة مثل” فيستاس”، و”نورديكس”، و”أورستيد” انخفضت بعد يوم واحد من الانتخابات، بسبب المخاوف من أن مكاسب اليمين المتطرف قد تؤدي إلى تأخير التحول الأخضر.

ومن أجل دعم الموقف التنافسي للاتحاد الأوروبي، يتعين على صانعي السياسات أن يتخذوا إجراءات حاسمة لدعم الصناعات الحيوية. وفي الآونة الأخيرة، وقَّعت أكثر من 1200 منظمة، بما في ذلك 840 شركة تصنيع رائدة، على إعلان “أنتويرب”– الذي يدعو إلى عقد “صفقة صناعية أوروبية” لتكون جزءا أساسيا من الأجندة الإستراتيجية للاتحاد الأوروبي للفترة 2024-2029. وقد عبر رئيس الوزراء البلجيكي، ألكسندر دي كروو، عن ذلك بأفضل أسلوب، حيث قال:” كيف نواصل تنمية صناعتنا الأوروبية؟”. والجواب هو: عن طريق عقد صفقة صناعية أوروبية بمستوى الصفقة الأوروبية الخضراء.

ومن الضروري القيام بأربع خطوات. أولا، يتعين على صانعي السياسات الأوروبيين أن يدركوا أن إبطاء عملية الوصول بصافي الانبعاثات إلى الصفر من شأنه أن يؤدي إلى تراجع القدرة التنافسية العالمية للاتحاد الأوروبي. إن اعتماد تكنولوجيات عديمة الانبعاثات هو أفضل وسيلة للحد من واردات الوقود الأحفوري، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة. وعلى النقيض من ذلك، فإن الحفاظ على الوضع الراهن يقوض استراتيجية أمن الطاقة في الاتحاد، ويَخدم مصلحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ثانياً، إن إنشاء صندوق أوروبي للتنمية الصناعية مهم جدا لتحقيق استقلال الطاقة والسيادة التكنولوجية. ويمكن لمؤسسات الاتحاد الأوروبي اتخاذ قرارات حاسمة والتصرف بناء عليها في غضون أشهر إذا اقتضى الأمر، وهذا ما أثبتته مبادرة تقديم المعونة المالية لجميع البلدان الأوروبية خلال أزمة كوفيد-19.

ثالثا، ينبغي تمويل الصندوق الأوروبي للتنمية الصناعية عن طريق إصدارات الديون المشتركة. ولتعزيز إنتاج التكنولوجيات الخضراء مثل السيارات الكهربائية، والمضخات الحرارية، والألواح الكهروضوئية، ينبغي تيسير إتاحة آلية التمويل هذه لرواد الأعمال دون شروط أهلية تعجيزية. والأهم من ذلك أنه من غير الممكن أن ينجح الصندوق الأوروبي للتنمية الصناعية من دون توفير ما يكفي من أدوات التمويل لشركات الطاقة المتجددة في الاتحاد الأوروبي- وهي الميزة التي تتمتع بها الشركات الأميركية بالفعل في ظل قانون الحد من التضخم. ولكن ينبغي لصانعي السياسات أن يجعلوا هذا التمويل مشروطا بالاستثمار في القدرة الإنتاجية، وخلق فرص العمل في صناعات معينة.

وأخيرا، ينبغي أن يكون إصدار الديون المشتركة مصحوبا بجهود متضافرة لتحديد مصادر جديدة للإيرادات. ويتمثل أحد الخيارات في فرض تعريفات استيراد إضافية على المركبات الكهربائية الصينية. ويتمثل الخيار الآخر في فرض ضريبة على المنصات الرقمية والواردات البلاستيكية.

وفي الماضي، كانت أموال الاتحاد الأوروبي توزَّع وفقا لسياسات التماسك في الاتحاد ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء. ولكن صندوق “الجيل القادم من الاتحاد الأوروبي، الذي تأسس في عام 2020 لمساعدة الدول الأوروبية على التعافي من الوباء، سجل سابقة جديدة بتخصيصه ل800 مليار يورو (858 مليار دولار أميركي) في هيئة منح وقروض وُزعت على الاقتصادات الفردية كلٌّ حسب مدى تأثرها بكوفيد-19.

كذلك، يجب تخصيص أموال الصندوق الأوروبي للتنمية الصناعية بناءً على احتياجات الصناعات المحلية ومساهمة كل قطاع في الناتج المحلي الإجمالي للدولة العضو. ومن ثم، يجب أن تُوجه معظم الأموال نحو دول ذات قطاعات صناعية كبيرة نسبيًا، مثل ألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، وفرنسا، وبولندا، وهولندا، وأيرلندا، وبلجيكا.

ومع أن هذا النهج قد يواجه مقاومة من دول أعضاء أخرى، إلا أنه مهم جدا لتسهيل النهضة الصناعية في أوروبا. ولكي يظل الاتحاد الأوروبي قادراً على المنافسة في الاقتصاد العالمي اليوم، يتعين عليه أن يعمل على التعجيل بالتحول إلى صافي الانبعاثات الصفري. ويُعَد الصندوق الأوروبي للتنمية الصناعية خطوة ضرورية في هذا الاتجاه.

 

ترجمة: نعيمة أبروش     

مارسين كوروليك وزير البيئة البولندي السابق، ومدير معهد الاقتصاد الأخضر في وارسو، ورئيس مؤسسة الترويج للسيارات الكهربائية. وهو عضو في اللجنة الاستشارية لبنك الاستثمار الأوروبي المعنية بالبيئة والمناخ، وعضو مجلس إدارة معهد التنمية المستدامة والعلاقات الدولية (IDDRI)، وشركة MevaEnergy، )ميفا إينيرجي(، وInnoEnergy، )إنو إنرجي(، وTransport & Environnement (منظمة النقل والبيئة).

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *