العفو الملكي عن الصحافيين إجراء قانوني واعتباره انفراج سياسي “دس للسم في العسل”

العفو الملكي عن الصحافيين إجراء قانوني واعتباره انفراج سياسي “دس للسم في العسل”

- ‎فيرأي, واجهة
عمر الراضي سليمان الرسيوني الطاوجني بوعشرين
إكسبريس تيفي

نجيبة جلال

بمناسبة الاحتفالات بالذكرى الفضية لاعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس عرش اسلافه المنعمين، صدر عفو ملكي شمل عددًا من الصحفيين والنشطاء المدانين في قضايا مختلفة. هذا الحدث الذي اشادت به الجرائد الوطنية والدولية، واعتبروه تصرف انساني يعكس رأفة وعطف صاحب الجلالة عن رعياه الذين يوجدون في خصومة مع القانون، في حين خرجت بعض الاصوات النشاز واعتبرته يشكل انفراج سياسي وبداية لمرحلة جديدة من المصالحة. غير أن هذا التفسير يبدو بعيدًا عن الواقع ويحمل في طياته محاولة لتضليل الرأي العام وتحريف مفهوم العفو الملكي وأهدافه.
العفو الملكي في المغرب ليس ظاهرة جديدة أو استثنائية، بل هو ممارسة راسخة تندرج ضمن الصلاحيات الدستورية لصاحب الجلالة. هذا الحق مؤطر بظهير شريف صدر في عام 1958 وخضع لتعديلات عبر السنين. وهو يعكس في جوهره رحمة الملك وعطفه على أبناء وبنات الوطن، بغض النظر عن انتماءاتهم أو خلفياتهم.
من المهم التأكيد على أن العفو الملكي لا يقتصر على فئة معينة من المواطنين، بل يشمل مختلف الجرائم والتهم، بما في ذلك قضايا الإرهاب في إطار برنامج “مصالحة”. هذا البرنامج الذي يهدف إلى محاربة التطرف داخل سجون المملكة ويستهدف الأشخاص الراغبين في مراجعة أفكارهم المتطرفة، وذلك عبر ثلاثة محاور رئيسية تشمل المصالحة مع الذات، والنص الديني، والمجتمع.
إن تفسير العفو الملكي عن بعض الصحفيين والنشطاء على أنه انفراج سياسي هو تأويل خاطئ وغير دقيق. فهذا العفو لا يختلف في جوهره عن حالات العفو السابقة التي شملت، على سبيل المثال، معتقلين من حراك الريف. فالعفو الملكي هو إجراء يشمل جميع المواطنين الذين لديهم خصومة مع القانون، ولكن وفق ضوابط وشروط محددة.
من الضروري التأكيد على أن الصحفيين والنشطاء الذين شملهم العفو الملكي في هذه المناسبة لم يتم اعتقالهم بسبب مشاركتهم في مظاهرات أو نتيجة لانتهاكات لحقوق الإنسان. بل تم توقيفهم ومحاكمتهم في إطار قانوني وفي محاكمات علنية حظيت بتغطية إعلامية واسعة وحضور مراقبين دوليين لحقوق الإنسان. هذا يؤكد أن الإجراءات القانونية اتخذت بشكل شفاف وعادل، بعيدًا عن أي شبهة للاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري.

ومما يؤكد صحة موقفنا هو التباين الملحوظ في التعامل الإعلامي مع قضايا الصحفيين. فقد شهدنا تسييسًا مفرطًا لملفات ثلاثة إعلاميين بارزين: توفيق بوعشرين، عمر الراضي، وسليمان الريسوني. هذا رغم أن متابعتهم القضائية كانت في إطار قضايا الحق العام. في المقابل، لم يحظَ ملف رضا الطوجني بنفس القدر من الاهتمام الإعلامي والسياسي، بل ظل بعيدًا عن الأضواء. والمفارقة هنا أن الطوجني هو الوحيد من بين هؤلاء الذي تمت متابعته في قضية مرتبطة بحرية الرأي والتعبير. ويمكن تفسير هذا التباين ببساطة: بأن الطوجني اختار منذ البداية عدم تسييس قضيته، ايمانا منه بمغرب المؤسسات.

العفو الملكي، في حقيقة الأمر، يتعلق بالجزء المتبقي من العقوبة السجنية، ويأتي بناءً على طلب المدانين أنفسهم. الهدف الأساسي من هذا الإجراء هو تحقيق الردع والإصلاح، مع السعي لإعادة إدماج هؤلاء الأشخاص في المجتمع. وهذا يتماشى مع الفلسفة العامة للنظام العقابي الذي لا يهدف فقط إلى العقاب، بل أيضًا إلى إصلاح السلوك وإعادة التأهيل.
إن محاولة تصوير العفو الملكي على أنه انفراج سياسي هي في الحقيقة “دس للسم في العسل”. فهي تحاول إضفاء طابع سياسي على إجراء إنساني وقانوني في الأساس. هذا التأويل غايته تشويه صورة النظام القضائي المغربي وإثارة شكوك حول نزاهة المحاكمات التي جرت في حق هؤلاء الأشخاص.
من جانب آخر، من المهم الإشارة إلى أن العفو الملكي لا يلغي حقوق الضحايا في التعويض عن الأضرار التي لحقت بهم. فالعفو يتعلق بالجانب الجنائي من القضية، ولكنه لا يمس بالحقوق المدنية للأطراف المتضررة. هذا يعني أن الضحايا لا يزالون يحتفظون بحقهم في متابعة الإجراءات القانونية للحصول على التعويض المناسب.
لهذا، يجب النظر إلى العفو الملكي في سياقه الصحيح كإجراء إنساني وقانوني يهدف إلى تحقيق العدالة الإصلاحية وإعادة إدماج المدانين في المجتمع. إن محاولة تسييس هذا الإجراء أو تفسيره خارج إطاره القانوني والدستوري هي محاولة مضللة قد تؤدي إلى تشويه الحقائق وتضليل الرأي العام. يجب على وسائل الإعلام والنشطاء توخي الدقة والموضوعية في تناول مثل هذه القضايا، وتجنب التأويلات الخاطئة التي قد تؤدي إلى زعزعة الثقة في النظام القضائي وفي مؤسسات الدولة.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *