الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء يضع الجزائر في مأزق

الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء يضع الجزائر في مأزق

- ‎فيرأي, واجهة
محمد السادس
إكسبريس تيفي

في تطور دبلوماسي بارز، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسميا اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء. جاء هذا الإعلان في رسالة موجهة إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في الأسبوع الماضي بمناسبة الذكرى الفضية لعيد العرش، مؤكدا أن فرنسا تعتبر حاضر ومستقبل الصحراء المغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية.

يمثل هذا الاعتراف الفرنسي تحولا جذريا في الموقف الفرنسي، متجاوزا الدعم السابق لمبدأ الحكم الذاتي إلى الاعتراف الكامل بالسيادة المغربية. ويعد هذا الموقف أقوى من الاعتراف الأمريكي السابق، نظرا للعلاقات التاريخية بين فرنسا والمنطقة. استخدمت فرنسا في بيانها كلمات أقوى من تلك التي استخدمتها الإدارة الأمريكية، مما يشير إلى رغبة فرنسا في تأكيد دورها المحوري في حل هذه القضية.

يشير هذا التطور إلى نجاح الدبلوماسية المغربية في كسب تأييد القوى الكبرى لموقفها في قضية الصحراء. كما يعكس تنامي الدور الإقليمي للمغرب، خاصة في منطقة الساحل والصحراء، حيث استطاع المغرب استثمار التحولات الجيوسياسية لصالحه. لقد أظهر المغرب براعة في التعامل مع القوى الكبرى، مدركا أن هذه القوى هي من بيدها حل القضية، في حين أن الأطراف الأخرى أصبحت مجرد أدوات ثانوية.

من الملفت للنظر أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله لم يتطرق إلى هذا الاعتراف في خطابه بمناسبة عيد العرش، مما قد يشير إلى أن جلالته يعتبر ملف الصحراء المغربية قد طوي فعليا، وأن الاهتمام يجب أن ينصب على الشؤون الداخلية. هذا الموقف يعكس ثقة القيادة المغربية في قوة موقفها الدبلوماسي وفعالية جهودها في هذا الملف.

من المتوقع أن يكون لهذا القرار تداعيات كبيرة على جبهة البوليساريو الانفصالية، التي قد تفقد الدعم الدولي بشكل متزايد. كما قد يؤدي إلى إضعاف موقفها وربما تغيير توجهاتها في المستقبل. فالاعتراف الفرنسي يضع البوليساريو في موقف صعب، خاصة وأن فرنسا كانت تاريخيا من الداعمين الرئيسيين لفكرة الاستفتاء على تقرير المصير.

أما بالنسبة للجزائر، فإن هذا الاعتراف الفرنسي يشكل صدمة كبيرة للنظام الحاكم. فهو يضع الجزائر في موقف صعب، خاصة مع تراجع الدعم الروسي لها في الآونة الأخيرة. وقد يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار النظام الجزائري الذي طالما دعم البوليساريو. هذا القرار قد يظهر للنظام الجزائري حجم التحول في الموقف الدولي، وقد يدفعه إلى إعادة النظر في سياساته.

يأتي هذا التطور في سياق تحولات إقليمية أوسع، حيث يسعى المغرب إلى تعزيز علاقاته الاقتصادية والاستراتيجية مع دول أفريقيا، متبنيا مقاربة براغماتية تركز على المصالح المشتركة والتنمية الاقتصادية. هذه الاستراتيجية المغربية تتجلى في التحول من الخطاب العاطفي حول قضية الصحراء إلى مقاربة تكنوقراطية تركز على الجوانب الاقتصادية والتنموية.

من الجدير بالذكر أن هذا الاعتراف الفرنسي يأتي في وقت تشهد فيه منطقة الساحل والصحراء تحولات جيوسياسية مهمة. فقد تم طرد النفوذ الفرنسي من عدة دول في المنطقة، كما تراجع دور الجزائر كقوة إقليمية. في المقابل، استطاع المغرب استثمار هذه التحولات لصالحه، معززا موقعه كقوة إقليمية فاعلة.

كما أن هناك تطورات أخرى في المنطقة قد تؤثر على مسار القضية، مثل التحالف العسكري المالي المغربي، والذي قد يشكل ضغطا إضافيا على الجزائر. هناك احتمالات بأن يتحول الصراع في المستقبل إلى داخل الأراضي الجزائرية، مما قد يضع النظام الجزائري في موقف أكثر صعوبة.

يمثل الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء نقطة تحول مهمة في مسار القضية، مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في المنطقة المغاربية بأكملها. ومع استمرار هذه التطورات، يبقى من المهم مراقبة ردود الفعل الإقليمية والدولية وتأثيراتها على مستقبل المنطقة. كما أن هذا التطور يؤكد على نجاح الاستراتيجية المغربية في التعامل مع هذه القضية، والتي جمعت بين الدبلوماسية الفعالة والتنمية الاقتصادية والتعاون الإقليمي.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *